خصوصيات التجربة الشيشانية
إندلعت المقاومة الشيشانية في طورها الراهن في مرحلة عمت فيها حالات الخروج من تحت عباءة الاتحاد السوفيتي لمختلف التكوينات الحضارية والدول، سواء ما كان منها "بلاداً مستقلة" كما كان الحال في دول المنظومة الاشتراكية (أوكرانيا – بلولندا- المجر – يوغسلافيا..إلخ)، أو ما كان منها داخل بناء الاتحاد السوفيتي نفسه (تركمانستان –أذربيجان – أوزبكستان وغيرها). لكنها كانت الحالة الوحيدة التي انطلقت من داخل "الاتحاد الروسي" أو من داخل "روسيا" وصارت تقود جهاداً مسلحاً طلبا للاستقلال الحضاري الكامل. واذا كانت الدول الأخرى بنوعيها (ماتحت العباءة – وما كان ضمن الاتحاد السوفيتي ذاته) قد خرجت وسط دعم دولي لها، ودون إبراز للطابع الاسلامي لها في النظم الجديدة التي تشكلت بعد الانفصال، فان المقاومة الشيشانية كانت هي التي لم تحظ بأي غطاء دولي، وربما كان ذلك يحكم أنها تجربة مقاومة نشأت اسلامية منذ البداية، وصارت تعزز أوضاعها حين حصلت على "نمط من الاستقبلال في داخل روسيا خلال حالة انفراط الاتحاد السوفيتي، أو بحكم أن قرار الغرب (أوروبا والولايات المتحدة ) كان يقضي بضرورة الحفاظ على روسيا دون تفكك، والاكتفاء بحالات من "التنغيص الداخلي" فقط، خوف من النتائج الخطرة على المصالح الغربية اذا انفرطت روسيا "النووية" كليا.
وفي ذلك حكمت الأوضاع الجيواستراتيجية أوضاع المقاومة الشيشانية، حيث الشيشان تحاط بدول وأن جمعت بينها الرابطه الإسلامية إلا أنها جميعا دول خرجت من تحت عباءة الاتحاد السوفيتي، لتصبح أقرب للارتماء في أحضان الولايات المتحدة، التي ركزت جهدها إلى جانب حكومات تلك الدول (العلمانية) على مواجهة الحركات الإسلامية في داخلها وجوارها، كما حكم أوضاع المقاومة الشيشانية وجود مقاطعات أخرى داخل روسيا الاتحادية بها مجموعات واسعة من السكان المسلمين صاروا سندا لها بما وسع نشاطها داخل روسيا دون سند من دول اسلامية خارج روسيا إلخ، وهو بالاجمال ما جعل تلك المقاومة تعيش حالة حصار عميق الأغوار.
وقد زاد من تلك العزلة ليس فقط بعد الشيشان عن "المنطقة العربية"، بل كذا أن الدول العربية وكثير من حركات المقاومة _وبعضها اسلامية_ كانت تعتبر روسيا بلداً تحرص على صداقته، بحكم تناقض مصالحه مع الولايات المتحدة، وهو ما انتبهت إلى أهميته روسيا وصارت تعمل عليه لعزل المقاومة الشيشانية عن حاضنها الطبيعي كليا، وهو ما وصل حد طلبها الانضمام إلى منظمة المؤتمر الاسلامي.