ليس معنى ذلك أن تتضعضع معنوياتك ؛ بل أن تعرف أن الدنيا مكان ضيق محدود فانٍ وليست بآخر المطاف الدنيا لا بقاء لها ومفتون من انحرفت عقيدته في زيوف دنيوية تافهة!
أبو بكر الصديق لما أحس أن الناس ارتجفت أفئدتهم و اختلطت عندهم الأمور ؛ أرسل صيحته : أقاتلهم وحدي .. يعلم الأمة الثبات على المبدأ في كل الظروف.
وصدق تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما)11. (إنما كان قولَ المؤمنين إذا دُعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون)12.
( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )13.
أصبحنا إذا جمع الناس لنا نكاد نقبل أقدامهم كي يرضوا عنا ولو بعنا ديننا وإيماننا,إن كان الطقس ماركسياً فليلون الإسلام بالماركسية, إن كان الجو رأسمالياً فليغطى الإسلام بالرأسمالية, إن كان الحذاء المرفوع فوق رؤوسنا صهيونياً إسرائيلياً فلننتعله بوجوهنا..
وليصبغ الإسلام بقالب بني إسرائيل, أي دين هذا .. وأي عقيدة.. وأي انحراف عن سبيل المؤمنين ..
( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم * إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين )14.
إن الرخاء الاقتصادي المزعوم مرفوض إن كان حقيقة فكيف إن كان وهماً, ونحن نصبر ونجوع ونعرى, ولا نعطي الدنية من عقيدتنا و لا نذل أمتنا, ودور الفرد والأسرة في التصدي للاجتياح الإسرائيلي القادم دور شديد الأهمية! لنفترض افتراضاً أن الإنسان يعيش في أي بلد وضع حكامه أياديهم بأيدي الصهاينة .. لنفترض أنه إنسان واحد لا يملك حولاً ولا طول اً.. لنفترض أنه عاجز لا يستطيع جهاداً ولا استشهاداً .. لنفترض أنه عيي لا يستطيع خطابةً ولا إعلاما ً.. ما الذي عليه أن يفعله :
الأمر الأول: أن يحافظ على معنوياته عالية ؛ أن يحافظ على النور الذي أودعه الله في قلبه ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلونَ إن كنتم مؤمنين )15.
أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ؛ استدعاء الإيمان وأهل الإيمان من العقل الباطن يوقف عمل الاجتياح الخارجي وعن جابر رضي الله عنه قال: (قال رجل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد: أرأيت إن قتلت فأين أنا؟ قال: في الجنة ؛ فألقى تمرات كن في يده ثم قاتل حتى قتل)16. (لقد وجد ذلك المجاهد عالمه الداخلي الذي يعيشه ويتجاوز به كل العالم الخارجي الزائف).
الأمر الثاني : إن تدبر العاقبة والخوف من الردة يعصمنا من السقوط ؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم : (بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً ؛ يبيع دينه بعرض من الدنيا)17.
الحديث يحذر من تيار جارف كله توجه نحو الكفر ، ولما كانت الدنيا دار فناء فإن الصبر فيها والثبات على الحق هو السبيل الوحيد لنجاة الأمة وإلا وقع الافتتان .
الأمر الثالث: الفزع والالتجاء إلى الله وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا خرج من بيته قال : ( بسم الله ؛ توكلت على الله ؛ اللهم إني أعوذ بك أن أضِل أو أُضَلَّ أو أزِل أو أُزَلَّ أو أظلِم أو أُظلم أو أجهل أو يُجهل علي)18. وإن قاصد باب الله لايخيب.
الأمر الرابع: المقاطعة الذاتية ؛ بمقاطعة كل بضاعة أو تاجر أو جهة أو مؤسسة تابعة للصهاينة وفي الحديث الصحيح أن كعب بن مالك رضي الله عنه لما امتحن في إيمانه بعث إليه مَلِك غسان كتاباً فيه: (أما بعد فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعةٍ فالحق بنا نواسك!! (محاولة اقتحام قلب المؤمن ببعد اقتصادي) فقال كعب حين قرأها: فهذه أيضا من البلاء فتيمم بها التنور فسجرها أي أحرقها)19.
الأمر الخامس: نشر فكر المقاومة السلبية كل بقدر طاقته ؛ ليتحول الأمر إلى تيار في الأمة ، والتعاون من أجل ذلك مع كل الفعاليات والتيارات و التجمعات و الأحزاب الإسلامية والوطنية والقومية ما دامت تحترم عقيدتنا وديننا وتشاركنا في رفض المد الصهيوني الخبيث ، وأود هنا أن أؤكد على المقاطعة السلبية والفضح لكل تيار أو عمامة أو منبر ديني يمهد أو يمرر أو يبرر أو يفتي أو يعطي شرعية للعدو الإسرائيلي للوجود في بلادنا ، وإني أعلن بقدر ما أطيق وأستطيع بأنه ما من حكومة ولا سلطة تستطيع البقاء من دون شرعية دينية فالشعوب العربية والإسلامية كلها شعوب متدينة ، وكل من يعطي الحكام الخونة في أي بلد إسلامي شرعية لتمرير خيانتهم يفقد طهر العمامة التي يضعها ويصبح ذنباً من أذناب الطواغيت ، وعلى الأمة أن تفضح وتقاطع مثل أولئك الأذناب. إن دين الله ليس مطية لحكام الأرض ولا لأذناب اليهود ولا الأميركان.
(يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤن كتابهم ولا يظلمون فتيلا * ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا * وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذاً لاتخذوك خليلاً * ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركَن إليهم شيئاً قليلاً * إذاً لأذقناك ضِعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا *)20.
الأمر السادس: الترابط والتواصل مع حَمَلة الحق والصابرين : (والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر*)21. عندما يعشق الإنسان الدنيا يشعر بفراغ هائل إذا نقص حظه منها! تُستهلك جوانب عظيمة من طاقته النفسية ويصاب بالشلل لأن الدنيا كلها فناء في فناء ، وعندما يخرج الإنسان من الأسر لا يبالي بكل ذلك ؛ ومن أجل ذلك ، وكي لاتستعبدنا الدنيا ، ولا يخدعنا خونة الأمة ، ولايركبنا الصهاينة ، فإني مستعد إن آتي إلى المسجد حافياً لأخطب الجمعة إذا صارت كل معامل الأحذية تابعة لليهود ؛لن أشعر بالنقص ولن آبه لديدان الأرض المفتونة بالحذاء والكساء الجبانة إذا أعلن النفير والنداء , وسأبقى حياتي آكل الخبز والماء ولن أمد يدي إلى معلبات يصنعها اليهود , وسأنام على الأرض طول عمري ولن أنام على سرير صنع في (إسرائيل).