الرأي العام وأهميته
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين)1، (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)2، (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين * بل الله مولاكم وهو خير الناصرين)3.
أما بعد فإن كتاب الله تعالى حبل الله والنور المبين والشفاء النافع ؛ عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه لا يزيغ فَيُسْـتـَعتَبُ ولا يَعوَجُ فَـيُقوَّم ولا تنقضي عجائبه ولا يَخْلُقُ من كثرة الرد، وقد أشار تعالى إلى حقيقة بالغة الأهمية ضمنها في الآية السادسة والعشرين من سورة غافر (وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدِّل دينكم أو أن يُظهر في الأرض الفساد)4؛ فرعون وصل إلى درجة أن قال للناس: (أنا ربكم الأعلى)5، بل قال لهم ( يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري)6، فلماذا يقول للناس الذين استعبدهم (ذروني أقتل موسى) لماذا يأخذ إذنهم؟ وقد كفر كفراً ما سبقه به أحد من العالمين ؛ الطغاة دائماً لا يؤمنون بالله ولا يخافونه! فلماذا يخافون الأمة ويطلبون إذنها فيما يريدون فعله ؛ هذه القضية عقدة يتقنها غير المسلمين كثيراً ، وأكثر المسلمين ما خطرت لهم على بال ، وهي سلاح ماض ؛ حتى فرعون الذي قال لهامان: (فاجعل لي صرحاً لعلي أطَّلِعُ إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين)7؛ حتى فرعون يخشاها ويَحسِبُ لها ألف حساب الأمر ببساطة هو قوة الرأي العام ؛ ما قرأت في كل التفاسير التي وصلت إلي من يتحدث عنها على أهميتها البالغة 8.
لماذا أذكرها اليوم: لأن الأسرة المسلمة في معناها الواسع الكبير الممتد من المحيط إلى المحيط ... الأسرة المسلمة الواحدة التي تشتبك دموعها في ماليزيا مع دمائها في البوسنة والتي تتلاقى أرواحها في الصومال والسودان مع أجسادها في الطاجيك وكشمير والشاشان ... الأسرة المسلمة تحتاج إلى فهم آليات الحركة في جهاد الحياة في وجه التآمر العالمي والنظام الجديد والصليبية الحاقدة والصهيونية المتكالبة (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يَرُدُّوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون * إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم)9.
الدول الإسلامية غالبها مثل تلميذ مؤدب وديع يجلس في الصف بأمر أستاذه حتى إذا خرج الأستاذ من الصف وانطلق الرفاق بقي هذا التلميذ في مقعده غباءً أو عمالةً ؛ كسلاً أو خوفاً ، وعندما يبدأ التلميذ (المجتهد في طاعة أستاذه) بالحركة والبحث والتعلم لينطلق بعدها من أسر الأستاذ تُسقط فوقه آليات مدروسة تزيده خبالاً ويقال له : أنت عاقل لا ينبغي لك ولا تستطيع الفهم وحدك ، ولو برع كل أندادك ؛ إلى أن يُصَدِّقَ ذلك وتصبح عنده قناعات داخلية بالموضوع لاستمرار التركيز حوله ؛ بل يصل الأمر إلى أن يبرر له تعوده المخجل بغطاء شرعي (بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين)10.
فيا دول المسلمين : أوفي بما طُلبَ منك ؛ ابقِ ملتزمة بقرارات مجلس الإرهاب العالمي للشعوب المسلمة ؛ لا تتجاوزي أوامر هيئة الأمم المتحدة على الظلم ؛ أطيعي كبار مجرميها بدءاً من الصليبي الحقود ، ومروراً بكل المتواطئين معه من قادة الدول الغربية ، وإياك يا دول المسلمين أن تدعمي حركة المقاومة الإسلامية حماسَ فأنت إذاً إرهابية ؛ إياك واحتضان منظمة الجهاد الإسلامي وإلا فأنت مجرمة ؛ إياك وتأييد صمود المقاومة الإسلامية في الجنوب وعلى رأسها حزب الله وإلا فأنت متطرفة خطيرة ، وإياك يا دول المسلمين أن تشعري بالجراح الغائرة ؛ بالمذابح المستمرة ؛ بالإبادة الوحشية في (ياتسي وسربرنيتشا)11 وتطلبي ثأرك ؛ كي لا تكوني أصولية متعصبة ، وإياك أن تجيشي مشاعر الولاء للإسلام ؛ إياك أن تنفضي عن المسلمين غبار الضعف والإحساس بالإذلال ... إياك أن تدعيهم يفيقون من سبات الرعب والخوف والهلع والجبن والطاعة العمياء للنظام العالمي المخرب الجديد. إياك أن ينتبه المسلمون فيلبسوا أكفانهم ويعودَ شعارهم :اطلبوا الموت توهب لكم الحياة ، وإياك ثم إياك أن يصل إلى أنوفهم شميم رائحة الدم القاني والنار والبارود. إياك أن تهزهم سيول الدماء النازفة من الأطفال الرضع ... من الشيوخ ... من المسلمات المغتصبات ومن الأبرياء والمدنيين والعزل.
إياك أن يصل إلى سمعهم أنين السجناء وصوت السياط المنقضة على أجساد المسلمين والقصف والنسف والهدم والتدمير، إياك أن تزداد قناعتهم بالإسلام والنظام الإسلامي والدولة الإسلامية والأمة المسلمة ويتبينوا عورات كل المبادئ المهلهلة التي أُشغلوا بها من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين ... وإلا فإن هذا سيغضب كثيراً كثيراً المتربعين فوق رقاب شعوب الأرض المسكينة في واشنطن وموسكو ولندن وباريس.
(وقال فرعون ذروني أقتل موسى) : الرأي العام سلاح خطير جداً وليس للطغاة فيه خيار فهو نصل حادٌ في خواصرهم ؛ إن سمحوا به طاروا وإن قمعوه نُسِفوا (إن كانت الشعوب تعرف قيمة الرأي العام وتتقن استخدامه) الطغاة يحاولون إمساك العصا في المنتصف ولكن هيهات (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمَغُهُ فإذا هو زاهق)12.لقد بكى الناس وهم يرون على الشاشات شهامة شعب مسلم يتبرع لأخوة العقيدة والدين (في البوسنة) فحيا الله أهل الوفاء والبذل والإخلاص ؛ بكى الناس وهم يروون عاجزاً مسناً أتى يمشي على يديه ليتبرع بدراهم هي كل ما يملكه ، وبكوا عندما رأوا طفلاً صغيراً ما وُهِبَ مالاً بل قلباً حياً وفطرة صادقة وبراءة مرفرفة ؛ فأتى يتبرع برضاعة حليب واحدة هي كل ما يطيقه علها تنقذ أخاً له رضيعاً من حصار وحوش الصرب ، وبكى الناس وأكبروا أختاً وأخاً ألغوا حفلة زفافهم وتبرعوا بها للمشردين والمضطهدين والمخرجين من ديارهم وجزى الله خيراً كل من أنفق قليلاً أو كثيراً ، وصدق الهادي صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مَثَلُ الجسد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)13، لكن الأمر الخطير في تلك العملية التي استجاب الناس لها بصدق وإيمان أن المخطِطُ لها كان