اجتياح الأسرة والهجوم المعاكس
وانطباعات عن الحج
الحمد لله(إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم )1. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله.
اخوة الايمان , أخوات الايمان اتقوا الله وذروا ظاهر الاثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون. أما بعد: فإن اصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي نبيكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإن من كلامه تعالى قوله: (وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الأيات لقوم يذَّكرون)2؛ قال الإمام القاسمي في محاسن التأويل ما مؤداه : البيان الذي جآء به القرآن أو طريق التوحيد ، وإسلام الوجه إلى الله هو طريقه الذي ارتضاه لا ميل فيه إلى إفراطٍ وتفريط في الاعتقادات والأخلاق والأعمال ؛ فياربُ:
يسعى لغيركَ مطرود لشقوتهِ ومن يُرَجيكَ لايسعى إلى أحدِ
إن السعي إلى الغير في الحضارة والثقافة وبناء المجتمع والأسرة لم ينتج إلا اختلالات مروعة فبدل امتلاك العلم الذي هو تراث البشرية وتميز الشخصية الإسلامية ؛ رأينا تفريطاً في إدراك السنن الربانية مع ذوبان خطير للشخصية الإسلامية على صعيد المجتمع والأسرة ، وإذا كانت الأسرة المسلمة هي الدرع الوافي لكل محاولات الطحن أو التغريب فمعنى ذلك أنها تحتاج إلى عناية شديدة ، وإلا فإن أي اختراق لها معناه إصابة مركز قيادة العمليات البنائية الاجتماعية والنفسية بمقتل.
اليأس ليس من شيمنا الإسلامية (إنه لا ييأس من رَوح الله إلا القوم الكافرون)3 ولكني من أنصار ذكر العله للمريض كي يتنبه فلا يستفحل مرضه فإخفاء الرأس في الرمال لاينفع ، وملف الأسرة المسلمة الذي تحدثنا عن ضرورة الحديث فيه ملف مأساوي فيه اشراقات ايمانية مرفرفة وفيه زوايا جاهلية رطبة ؛ فيه الصفاء والتقوى وفيه الآلام والمصائب ؛ فيه الطهر والفضيلة والفطرة ، وفيه انحرافات والتواءات ومسارب خفية تتستر بالإسلام وباطنها عيوب فاضحة.
ملف الأسرة المسلمة مثل آلاف الخيوط الحريرية المتشابكة مع شوكٍ مدمٍ واخز ، والكلام فيه أخطر من الكلام عن اليهود والأميركان والحكام الظلام ؛ لأنه يكشف الأمور ويضعها تحت الشمس ، وعملت الأيام فينا حتى صرنا نعتبر أن المساس به مساسٌ بمقدس ، ولا قدسية عندنا إلا لكلام الله والثابت الصحيح من كلام المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم.
ترى كم من الوقت يلزم حتى يستقر في النسيج الإسلامي فقه قوله تعالى: (ذلك بأن الله لم يكُ مغيراً نعمةً أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم)4 وإن أعظم المصائب وأصغرها تبدأ من نقطة اختلال واحدة ، وإحراق ورقة واحدة ، أو غابة إنما يبدأ بعود ثقاب.
الاجتياح الخطير للعالم الاسلامي على كل صعيد حصل ليس بسبب انحراف الحكام فقط ، وليس بخطط الأميركان واليهود فقط ، وليس بالمؤامرات الدولية فقط! الاجتياح بدأ وسيستمر ما دامت مرجعية الأسرة المسلمة الايمانية التربوية والنفسية مفقودة!والهجوم الاسلامي المعاكس في ظروف الضعف التي ترون إنما يبدأ من الأسرة ، وكما أن الحب من النبات والنِطاف من المخلوقات تدخر في أعماقها كل خصائص ما انبثقت منه في تركيب مدهش معقد بديع ؛ فكذلك الأسرة المسلمة تدخر في ايمانياتها المتراكمة وأعماقها التربوية المدهشة كل الخصائص والتراكيب المحتملة لبنية إسلامية غنية مثمرة تؤتي أُكُلهاكل حين بإذن ربها.
إن الله تعالى يقول (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)5ولنقل بصراحة أن أكثر المسلمين لايفقهون معنى الولاء أصلاً حتى ينهضوا به ؛ ولاؤنا المشتت بين جاهلية وآبائية مذمومة أوانبهارات تغريبية ينعكس في كل مرافق حياتنا! الأسرة المسلمة ما هي مقوماتها؟ ما هي أركانها؟ ما هي موا صفاتها؟ البحث لا يحتاج إلى مجهر! ووجود بعض العينات الفردية الصالحة فقط يعني أن هناك وباءً كاسحاً لم يبق إلا عينات سليمة قليلة تكاد توضع في المتحف لِنُدرتها! فماذاعن باقي العينات؟
أتمنى لوكنت استطيع أن أجري بحثاً ميدانياً عن مدى استخدام الكذب في حياتنا ، ولا أتحدث عن دفع الضرر الشديد الذي يلجأ بعض الناس للكذب معه ؛ اتحدث عن الاستخدام العادي من دون إلجاء ولا إكراه! كم مرة يستعمل الأب الكذب في البيت مع الزوجة ، ومع الأولاد ؛ مع الجيران ومع الأصدقاء ؛ في المكتب وفي البيع والشراء؟
والنساء كم مرة يكذبن في اليوم؟ حتى صار الكذب مما نتنفسه مع الهواء ، والأطفال المساكين كم ألف مرة ومرة يسمعون الكذب حتى أصبح عندهم أمراً اعتيادياً ؛ هذا كله في المسويات البسيطة ولسنا بصدد الكلام عن الكذب الكبير الذي يستخدم على نطاق الأمة المسلمة كلها ، والذي يحبط في لحظات ويقتل في مواقف ملايين النفوس مثل القنبلة الفراغية. نتحدث عما نصنعه بأيدينا فتصبح نفسيتنا نفسية كذابين ! وإن صمنا وصلينا وحججنا وزكينا ، والبقايا اللئيمة من النفسيات المنحرفة التي ماتزال تموج فينا هل نعرف نسبتها؟ رجل وزوجته حصل بينهما طلاق فاشتعلت الأرض من حولهما بألف أكولة لحم ؛ تريد أن تعرف ما هو السبب ... آلاف حوادث الطلاق تحصل ... لا أحد يبحث عن الأسباب لدرئها ... كثير من الناس للثرثرة والفضول! و (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)6.قوامة الرجل على المرأة ما هي ضوابطها الشرعية؟ لا جواب واضح عند الكثيرين ؛ الضعف والمزاجية مزجت بين الأمور الشرعية والآبائية ؛ بين عادات اجتماعية عرفيه ودين الله. كم هو عدد الأسر المسلمة التي يضع صاحبها لنفسه ولزوجه ولأولاده خطة مهما كانت متواضعة وبسيطة من أجل رفع المردود ، وبناء التوازن والاستقرار ، والطلاق هذا السهم المخيف هل يربى الرجل والمرأة على إدراك البعد الشرعي والحكمة فيه أم أنه غالبا نزوة مرعبة وقرار طائش أرعن ؛ لا نظر فيه إلى مصلحة ولا توازن ولا صواب ، وسفاسف الحياة التي يحشرها الناس في عقولهم حشراً فيعقدون حياتهم بها لترى مئات الآلاف من الشباب والصبايا