2- لا يمكن للمربي أن يحجر على عقليات من يربيهم أو أن يحصرهم ضمن تصورات وأفكار ومشاعر خاصة ليس لها بعد تربوي واضح ، وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قَبَّل الحسن وفي رواية الحسين ابني علي رضي الله عنهم جميعا ، وعنده الأقرع بن حابس فقال الأقرع : إن لي عشرة ماقبلت منهم أحدا قط ؛ فنظر إليه الهادي صلى الله عليه وسلم ثم قال : (من لا يَرحم لا يُرحم)10 فها هنا تبدو الدلالة واضحة في عدم إقرار النبي لسلوك هذا الإنسان الذي يعيش في تصورات وأفكار ومشاعر خاصة مغلوطة ، ودور المربي إخراج الناس منها فضلا عن عدم اقترافه هو لها.
3- المربي المنفتح الواعي يستطيع التعامل مع أي أمر ولو كان خلاف ما اعتاد عليه ، ويستطيع بمرونة هائلة التخلي عن أية نظرة أو تصور أو وسيلة غير مجدية أو كانت ذات فائدة مرحلية انته وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر بقوم يلقحون النخل فقال: (لو لم تفعلوا لصلح ؛ قال: فخرج شيصاً وهو التمر الذي لا يشتد نواه ؛ فمر بهم فقال: ما لنخلكم قالوا : قلت كذا وكذا ؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : أنتم أعلم بأمور دنياكم)11 وإن في الحديث دلالات تربوية عظيمة أخرى ذكرها المحدث الشيخ عبد الله سراج الدين في كتابه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
4- المربي ذو النفسية الصافية يبذل للمتلقي على يديه كل رعاية ومودة ونصح ؛ فالتربية السائرة على منهج النبوة هي عطاء دون حدود وإخلاص ورعاية ومودة ، ومحبة لا تتناهى دون مَنٍّ ولا افتخار ولا عجب ولا رياء ولا طلب أجر من أحد ، وهو عمل المرسلين ؛ قال تعالى (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون)12.
5- التربية نماء دائم والمربي الحقيقي يستفيد ويتعلم ممن حوله كما يستفيدون ويتعلمون منه اقتداء وامتثالا بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول: (لن يشبع مؤمن من خير يسمعه حتى يكون منتهاه الجنة)13ورحم الله ابن القيم إذ يقول : إذا حال غيم الهوى بين القلوب وبين شمس الهدى تحير السالك. وصلى الله على الهادي المصطفى إذ ما منعه مقام النبوة أن يأخذ بمثل رأي سلمان في حفر الخندق14.
6- المربي نور دائم الإشعاع وهو مرآة لاخوته و(المؤمن مرآة المؤمن)15 والمربي ينعكس صفاؤه على اخوته ويفيض عليهم مما آتاه الله فتكون مرآته التربوية ممتصة لكل العوالق والشوائب ؛ مبدلة لها بكل جميل من الخلق والسلوك والفكر والعمل ؛ قال ابن القيم : مياه المعاني مخزونة في قلب العالم يفتح منها للسقي سيحا بعد سيح ويدخر أصفاها لأهل الصفا فإذا تكاثرت عليه نادى للسبيل ، وفي الصحيح عن أنس رضي الله عنه قال: (ما سُئل صلى الله عليه وآله وسلم شيئا إلا أعطاه فجاء رجل وهو صفوان بن أمية فأعطاه غنما بين جبلين فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فان محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر)16 ؛ فأبدل كفر الرجل بالإيمان وأعطاه عطاء من لا يخشى الفقر ، وربما طوى جائعا ، وربما ربط على بطنه الحجر من الجوع صلى الله عليه وآله وسلم17.
والتربية علم لا يشرح بلحظات وكل موقف تربوي يجب أن لا يضيع ، وراعي الأسرة عليه أن يدرك كيف يستثمر المواقف ونذكر باختصار على أن نعود إلى الشرح المفصل في خطب قادمة ؛ نذكر أن من نعلمه أو نربيه ترتبط نتيجة ما نلقيه إليه بعدة عوامل منها:
1- الاستعدادات العقلية ودرجة النضج وكما يقول ابن مسعود رضي الله عنه : (ماأنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة)18، والخبرة المنقولة يجب أن تترافق مع النضج عند المتلقي وإلا سبَّبَ ذلك الإحباط أحيانا.
2- يجب مراعاة الاستعدادات النفسية وما يثيره الموقف التعليمي من دوافع وحاجات وميول فإلقاء أمور مناسبة للراشدين قد لا تنفع للمراهقين وما يناسب المراهقين لا يصلح للأطفال ، وعلى المربي أن يدرك خصائص كل مرحلة من مراحل العمر.
3- لا يمكن للمتربي التلقي إلا في حال الشعور بالثقة بمن يربيه ، والإحساس بالأمن الداخلي معه وإلا سبب الأمر قلقا نفسيا يمنع من الاستفادة والتلقي والالتزام.
4- يجب تفهم البيئة المحيطة بالأفراد الذين نربيهم فمن عائق تربيته هو الترف والدلال يختلف وضعه عمن عائق تربيته هو القلة والحرمان ؛ عمن عائق تربيته هو التنطع والقسوة ؛ عمن عائق تربيته هو الانحراف المحيط والفساد
5- يتأثر الفرد تأثرا شديدا بإخلاص المربي وحماسته لمبدئه وموضوعيته في طرحه ، وعلى المربي أن يكون مثالا صالحا في كل ما يطرحه.
6- التربية هي بلوغ الأمر كماله بالتدريج وبالتالي فان الثمار التربوية لا تؤتي أكلها مباشرة وقطفها قبل نضجها يدعها فجة والثمرة المقطوفة قبل نضجها لا يمكن إرجاعها ولا الاستفادة منها ؛ فرحم الله من صبر ؛ قال تعالى: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)19.
اللهم علمنا ماينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما.
من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون.