قوانين الحرب النفسية وبناء الأسرة المسلمة
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا كما يحب ربنا ويرضى ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله .
إخوة الإيمان ؛ أخوات الإيمان ؛ اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون أما بعد :
فإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي نبيكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. وإن من كلامه تعالى قوله : ( فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم )1.
خطبة اليوم فيها بعض الصعوبة فاستعدوا لها ، وذلك أننا وصلنا في تناولنا أمر نوح عليه السلام إلى وضع أسرته وبيته ، مما يجب الاتعاظ به في بناء الأسرة المسلمة ، وهذا موضوع شديد الحساسية والأهمية ، ولا أعتقد أن العموميات كافية فيه ، ويحتاج إلى التفصيل وقد تواجهنا مشكلة عدم تقبل قليل أو كثير من الاخوة والأخوات لموضوع الصراحة ؛ ربما لأن البعض منا يفكر بطريقة فردية أو ذاتية ، والطرح الأشمل قد تكون له أبعاد لا يفطنون لها فاقتضى الأمر التزويد بمقدمة توفر كثيرا من العناء ؛ وتوضح أسباب فوات أمور غابت محاكماتها الصحيحة ، والمقدمة ليس نفعها قاصرا على موضوع الأسرة بل هي توضيح عام شامل يمس كل جوانب الحياة فمما لا يختلف فيه اثنان أن أساليب التقويض للإسلام تتخذ صورا في غاية المكر والدهاء.
هل تعرفون شجر الصفصاف الذي ينمو على ضفاف الأنهار.. هذا الشجر يجمُّونه ويقطعون منه كل ما اشتد عوده ويُترك الصفصاف وقتا تنمو خلاله السوق الفتية الغضة ثانية ، فإذا خرجت من طورها الغض لتصبح قوية متخشبة يصعب كسرها أعيد قطعها وهكذا.
هذه طريقة من طرق حرب المسلمين في العالم ؛ كلما قويت شوكتهم حُصدوا ، وجُمَّت رؤوسهم ، وربما أصابهم الضعف الداخلي فصارت القوارض آكلات الأخشاب تصول وتجول ؛ تُقَصِّفُ لهم جذوعهم دون أن يقطعها أحد بل إن القطع المنظم أقل سوءا وضررا ؛ تنمو معه الأغصان الفتية أشد حيوية وأكثر قوة ؛ بينما التهاوي بسبب القوارض المعششة في الجذور أمر أخطر بكثير.
قوى الاستكبار في الأرض غيرت الطريقة ، لأن الجمَّ ما عاد يؤثر ؛ وجدوه زاد الأشجار حيوية للتعويض عما قطع منها ؛ زاد الخضرة تألقا وزاد نُسُغ الحياة تدفقا. ما عادوا يلحقون فغيروا الطريقة ؛ الطريقة الآن هي الاقتلاع من الجذور وليس الجم ؛ لتصبح الأرض صحراء قاحلة. هذا الأمر يُحتاج إلى فهمه ودراسته جيدا ، وصدق تعالى : ( ..ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )2.
هناك ما يسمونه : قوانين الحرب النفسية ، وما أدعوه السنن الربانية ، وإن طريقة التدمير المعتمدة على قوانين الحرب النفسية خطيرة جدا ؛ لأنها تزعزع من الداخل ، و الجهل بها يزيد الأمور سوءا.
يذكر أحد الباحثين أن الحرب النفسية لم تعد عشوائية وإنما مدروسة بشكل مخيف ، ويُضرب ستار شديد من الكتمان حولها من أجل عدم لفت انتباه الشعوب إلى الأساليب الجديدة لتحطيمها ، وتهدف الحرب النفسية إلى عمليات غسيل مخ طوعية وإلى التلاعب بالفكر ، وتغيير الإطار المرجعي للشخصية ، وتحويل الاتجاهات السلبية إلى إيجابية وبالعكس ، وتعدم المصادر الصريحة والمراجع الموثوقة حول الحرب النفسية ، ودولة مثل الولايات المتحدة تحرص على أسرار خططها للحرب النفسية ضد أمم الأرض المستضعفة أكثر من حرصها على أسرار أسلحتها النووية ! فأين ما أعددتم يا أمة محمد (..ود الذين كفروا لو تغفُلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ..)3.
وفي حكم المؤكد أن هناك قوانين علمية تسير الحرب النفسية الحديثة وتحقق أهدافها البعيدة والقريبة بأدنى كلفة وأغزر نتيجة وأقل جهد.
ونذكر على سبيل المثال قانونين اثنين يطبقان على صعيد المجتمعات :
القانون الأول: تتحول الاتجاهات العقلية للفرد من موجبة إلى سالبة والعكس صحيح إذا أخضع لظروف حياتية واجتماعية وفكرية معينة . مثال : قبل بضعة عقود لم يكن متقبلا في المجتمع أن يلجأ مدير شركة أو مصنع إلى طلاق زوجته المخلصة الوفية وترك أولاده لعلاقة غير محمودة مع (سكرتيرته). إدخال هذه الفكرة إلى عقول الناس مستحيل مباشرة لذا رأينا خلال السنين أن تسعين بالمائة من المسلسلات التلفزيونية العربية من المحيط إلى الخليج تركز على هذه الفكرة ، والكتاب الرديئون بعضهم طيبوا القلب مغفلون ينقلون بببغائية عجيبة ما عند أقوام ما في حياتهم الاجتماعية لنا من خير وبعضهم خبثاء ماكرون ، وقلة قليلة جدا تحاول طرح فكرة إيجابية. ما هي النتيجة؟ صار الأمر عاديا في المجتمع وصحيح أن الملتزم بالدين يأباه ولا يرضاه ، ولكن المجتمع الذي هو التربة لكل التحولات أصبح بتأثير هذا القانون النفسي واقعا تحت تأثير أفكار مخربة ، وليست القضية بقاء ثلة ممن يأبون التعفن ، ولكن الموضوع دراسة التحول الخطير الذي طرأ على البنية الفكرية للمجتمع ككل. هذا القانون يسير بالطريقة التالية: مرحلة التعادل بين فكرتين ثم مرحلة تناقص فكرة لحساب أخرى ثم مرحلة الانهيار للفكرة