الصلاة
الخطبة الأولى الحمد لله الذي جعل الصلاة راحة قلوب الأخيار وهي طريق السعادة في دار القرار . .
أما بعد : قال تعالى {وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون } العنكبوت . الحديث عن الصلاة يحتاج إلى تذكير وتكرار فلا يمل سماعه الأبرار ولا تشبع منه قلوب الأخيار الصلاة من أعظم الفرائض أثرا وأفظعها عند الترك خطرا وأجلها بيانا وخيرا فيها أكرم قول يردده لسان مع أكرم حركة يؤديها الإنسان هي عمود الدين ومفتاح جنة رب العالمين عرج برسوله الله صلى الله عليه وسلم وفتحت له أبواب السماء فأخذ يتجاوزها مكانا ومكانة عرج به لمستوى يسمع فيه صريف الأقلام فكان قاب قوسين أو أدنى ثم نزل عليه الأمر من ربه تبارك وتعالى بالصلاة وحين حضرته الوفاة وأتى عليه أجله علم أنه يودع الدنيا إلى لقاء ربه فكانت الصلاة خاتمة وصيته بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام فأصبح يقول ( الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم ) رواه أحمد .
إخوة الإسلام من حافظ عليها فقد توثق من عرى دينه وأخذ بأصله ومن ضيعها فقد ضاع دينه من أصله الصلاة دواء يشفي من أمراض القلوب وأدوائها وفساد النفوس وأسقامها والنور المزيل لظلمات الذنوب والمعاصي فيتطهر بها المسلم من غفلات قلبه وهفوات نفسه كما قال المصطفى e ( أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء قالوا لا يبقى من درنه شيء قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا ) رواه مسلم . وكما ورد في حديث فضائل الوضوء وفيه أن رسول الله e قال ( فإن هو قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل وفرغ قلبه لله إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه ) رواه مسلم .
لذا كان اهتمامه بأمر الصلاة صلى الله عليه وسلم عظيما إن عبادة هذه نتائجها وعملا هذا شأنه لجدير بأن نسعى لتحقيقه والعناية به وأن نجعله نصب أعيننا وحديث نفوسنا الله أكبر حي على الصلاة حي على الفلاح نداء يصدح في الأرجاء وأذان يخترق الآذان ليوقظ أجسادا مشرقة بالإيمان وقلوبا مخبتة فإذا بالوفود تتقاطر والجموع تصطف ولا تتناثر ولها هدير كالبحر في تلاطمه وعرش النحل في تلاحمه وترى المسجد وقد غص بالناس فاتصلوا وتلاحموا تجد الصف منهم على استوائه كما تجد السطر في الكتاب ممدودا محتبكا منتظما وتراهم تتابعوا صفا وراء صف ونسقا على نسق فالمسجد بهم كالسنبلة ملئت حبا ما بين أولها وآخره كل حبة هي في لف أهلها وشملها فليس فيها على الكثرة حبة واحدة تهبها السنبلة فضل تمييز لا في الأعلى ولا في الأدنى قال تعالى {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون } المؤمنون . بالخشوع يجمع المصلي في صلاته بين طهارة الظاهر والباطن إذ كان يقول e في ركوعه في الصلاة ( خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي ) رواه مسلم . وفي رواية ( وما استقلت به قدمي ) رواه أحمد .
بالخشوع تغفر الذنوب وتكفر السيئات وتكتب الصلاة في ميزان الحسنات كما ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله e قال ( ما من امرىء مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله ) رواه مسلم . الصلاة إذا زينها الخشوع وترسخ في أقوالها وأفعالها الذل والإنكسار والتعظيم والمحبة والوقار نهت صاحبها عن الفحشاء والمنكر فيستنير قلبه ويتطهر فؤاده ويزداد إيمانه وتقوى رغبته في الخير وتنعدم في الشر بالخشوع يزداد إقبال المصلي على ربه فيكون اقتراب ربه منه فقد أخرج أحمد وأبو داود والنسائي رحمهم الله تعالى أن رسول الله e قال ( لا يزال الله عز وجل مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت فإذا صرف وجهه انصرف عنه ) رواه النسائي . الخشوع أمر عظيم شأنه سريع فقده نادر وجوده خصوصا في زماننا وحاضرنا وحرمان الخشوع من أكبر المصائب والعلل وخطب جلل كان يستعيذ منه المصطفى e ويقول في دعائه ( اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ) رواه الترمذي .