جاء في الآية 248 من سورة البقرة : " إنّ آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقيّة مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة …." .
عندما طلب بنو إسرائيل قبل عهد داود عليه السلام أن يجعل الله لهم ملكاً يجمعهم ، ويوحّد كلمتهم ، ويقودهم في حربهم لأعدائهم ، استجاب الله لهم ، وجعل طالوت ملكاً عليهم ، وجعل علامة اختياره أن تأتي الملائكة بالتابوت الذي استولى عليه أعداؤهم ، وهو صندوق فيه بقية من آثار موسى وهارون عليهما السلام ، توارثه الصالحون من بني إسرائيل . وبعودته إليهم جعل الله فيه الطمأنينة لنفوسهم ، التي بقيت مضطربة لفقده واستيلاء الأعداء عليه .
واضح من النص القرآني الكريم أنّ التابوت له قداسة ، وعلى وجه الخصوص الآثار المتوارثة من عهد موسى وهارون ، ونحن نعلم أنّ الله تعالى قد أنزل على موسى عليه السلام فيما أنزل الألواح ، والتي خطّت فيها الوصايا ، وقد ورد في سفر الخروج في التوراة الحالية:" واجعل في التابوت الشهادة التي أعطيكها " والمقصود بالشهادة ما ورد في سفر الخروج أيضاً :" ولما فرغ من مخاطبة موسى على طور سيناء دفع إليه لَوْحَي الشهادة ، لوحين من حجر …." وقد ورد في سفر صموئيل أنّ أعداء بني إسرائيل قد سيطروا على التابوت هذا لمدة سبعة أشهر .
ورد أن كلمة التابوت مشتقة من التّوب وهو الرجوع ، لأنه يُرجع إليه تكراراً لأخذ وإرجاع المودعات فيه ، وعليه تكون اللفظة عربية على قول الكثير من أهل اللغة . وقد ذكرت التوراة الحالية أنّ التابوت المقدس عندهم صنع من الخشب والذهب بأمر من الله تعالى ، ويقولون إنّ طوله يبلغ متراً وربع المتر ، أما عرضه فيبلغ 75 سم ، وكذلك ارتفاعه. وورد أنّ بني إسرائيل كانوا يحملون التابوت ويتقدمون به أمام الجيش فيكون ذلك دافعاً لهم للاستبسال ، لثقتهم بالنصر بوجود التابوت . وقد ورد في أخبار الأيام الأول من العهد القديم على لسان داود عليه السلام :" .. حتى نُرجع تابوت إلهنا ، لأننا أهملنا طلب المشورة بواسطته منذ أيام شاول " ويقصدون بشاول هنا طالوت المذكور آنفاً .
والتابوت عندهم من أقدس المقدّسات ، وكانوا في البداية يضعونه في وسط خيمة ، ثم أحضره داود عليه السلام حسب رواية العهد القديم إلى (مدينة داود) ، وعندما بنى سليمان عليه السلام الهيكل وضعه في أقدس بقعة في الهيكل وهي (قدس الأقداس ) وهي عبارة عن غرفة لا نوافذ لها، وتكون أعلى جزء في الهيكل، وهي محرابه . وهم يعتقدون أن روح الله حلّت في التابوت . وعندما تم تدمير الهيكل 586 ق.م على يد نبوخذ نصّر البابلي فُقدت التوراة ، وفقد تابوت العهد ، ويبدو أنّه تم إحراقهما مع ما أُحرق من محتويات الهيكل . واللافت للانتباه أنّ سفر أخبار الأيام الثاني من العهد القديم ، والذي يرجّح أنّه دوّن في القرن الخامس قبل الميلاد ، والذي ينتهي بالحديث عن تدمير الهيكل وإحراق محتوياته ، ينص على بقاء العصي التي يحمل بها التابوت ، ولم يتطرق إلى ذكر التابوت: " … وهي ما برحت هناك إلى هذا اليوم …" وواضح أن الذي يكتب هذا الكلام يكتبه وهو يقيم بعيداً ، ويظهر ذلك من قوله "هناك" .
كثرت القصص والأساطير حول مصير التابوت ، ومن هذه القصص قصة تقول إن ابن سليمان عليه السلام ، من زوجته بلقيس ، فرّ بالتابوت إلى مصر ، ثم نقل التابوت إلى الحبشة ، ولكن اليهود لا يزالون يبحثون عن هذا الصندوق الخشبي الصغير والذي مضى على صناعته ما يقرب من (3200) سنة على أقل تقدير ، وبعضهم يتوقّع أن يكون مدفوناً تحت ساحات الأقصى ، وهنا لا بد لي أن أذكر أن رجلاً فلسطينياً ، ممن شارك في ترميم وإصلاحات الأقصى في العهد الأردني ، ذكر بعد أن سمع بالدّرس الذي ألقيته حول التابوت قبل سنين قليلة أنّه رأى من يدفن صندوقاً تنطبق عليه الأوصاف في موضع من المسجد الأقصى . نعم ما الذي يمنعهم من أن يصنعوا تابوتاً وفق الأوصاف الواردة في العهد القديم ، ثم يدسّوه في التراب ، ثم يزعموا اكتشافه بعد نصف قرن أو يزيد ، ليكون الدليل والمستند على أنّ لهم حقّاً في فلسطين ، بعد أن كذّبتهم كل الآثار والحفريّات، فقد اعتدنا أن نرى منهم كل غريب، فهم يستخدمون المقدس وغير المقدس لأغراضهم الدنيوية، ولا شيء عندهم مقدس إلا مصالحهم .
__________________
تجميع: سيف عمر الربابعة