امتعض الزوج ، وتمنى لو يقول الكلمات الواقفة في حلقة، لكنه عجز :
- " لا تقلقي ، أنا بنفسي سأنبش كل أغراضها ".
وأبور الجاز ما يزال يرسل أزيزه ودفئـه ، يختلط بأنّات العجوز المتوجعة ، وصراخات نقاش الزوجين ، وفرقعات حبات الكستناء المستمر ، من فترة لأخرى توضع على رأس الوابور، ثم يلتهمانها .
احترقت ألسنتهم ، ودمعت عيونهم من سرعة تناوب أكل لب الكستناء الساخن . بعد مدة ، توقف الزوج فجأة ثم نظر باتجاه الغرفة التي كفت عن الصراخ وهدأت – يستطلع الأمر. مسح دموعه وهم بالوقوف . لكن زوجـته لكزته وأمرته بالجلوس ، ثم نهضت من مكانها واتجهت نحو الغرفة . لطت قرب الباب تصيخ السمع ، ثم دفعت خصاص الباب ونظرت : كانت الجثـة هامـدة ، ممـدة ساكنـة بلا حركة . تراجعت إلى الوراء شاحبة مذعورة .
- " الله يرحمها . أخيراً ارتاحت ، وأراحت، شكراً لك يا رب "
لحق الزوج بهـا ، تسلل مع زوجته ، ودخلا الغرفة ببطء على رؤوس الأصابع . لفحتهم الروائح العطنة ، وبدت أرجاؤها أكثر رعباً من أي وقت مضى ، فقد تفشى الظلام أكثر، وصبغ جثة الأم المسكينة بهالـة مرعبة من السواد الرهيب والتوجس .
تقـدمت الزوجـة بحذر وضغطت على زر النور، ثم أمرت زوجها بالبحث عن التركة فوراً .
شرعا يجوسان المكان ، تحركا بهلـع وهما ينبشان مثل القطط الجائعة ، حتى أدركهما الإعياء وكدهما التعب ، ولما لم يجدا شيئا أخذ كل منهما يضرب كفا بكف ، يندب حظه ، يتأفف ويلعن .
- "الجثـــة ؟ " صرخت الزوجة.
إتقدت عيناهما بالشرر، فزع الزوج وهو يتمتم :
" ربما في ملابسها ، فلنجرب الجثة ؟! "
إقتربا – معا- ً من الجثة ، قلباها على بطنها بعنف ، قلباها جهة الشمال ، ثم جهة اليمين، قلباها ثانية ، وثالثة . لم تعد الجثة تخيفهم . صارت مثل كيس قمامة يعبثـان بمحتوياته بحرية .
بعد لأي ، توقفا منهوكين يلهثان ... نظرا إلى بعضهما بغرابة لحظة ، ثم انفجرا بالضحك كمجنونين ذهب عقلهما .
يضيف الراوي : أن الزوجين ظلا يضحكان حتى جفت الدموع في مآقيهما وتحجرت ، بعد أن غارت محاجرهما...
ولما توقفــا عن الضحك ، وقفـا قبالة بعض يجحظان بعضهما بغضب شديد ، وهما يتبادلان السباب والشتائم كل منهما يلوم الآخر.