الوطن تاريخ المرء وجذوره وأسلافه ، مخزونه الثقافي وكل ما يمت إليه بصلة ، الانتماء للوطن هو الانتماء لمكونات الإنسان الحقيقية و شعور لا يأتي فجأة وإنما يأتي من خلال الارتباط النفسي والروحي بتراب الوطن ، إن وطن الإنسان هو أهله وعمره وبيته ومشاعره وفرحه وحزنه ونبض قلبه انه كل مكونات حياته فمن منا لا ينتمي لكل هذا .
تطبيق شعور الانتماء على ارض الواقع يتطلب منا الكثير، فهو ليس مجرد كلام وشعارات وإنما التزام بالثوابت الوطنية ومشاركة فاعلة في دفع مسيرة التطور والتقدم بما يحقق مصلحة الوطن ، والفرد هو أهم عنصر من عناصر الوطن فهو يشكل حلقة من حلقات مجتمعه ابتداء بالأسرة مرورا بالعشيرة والمجتمع انتهاء بالدولة التي ينظم أمور أفرادها دستور ومجموعة من القوانين والأنظمة التي تحكم علاقاتهم ببعضهم البعض وبالدولة التي يعيشون في كنفها .
إن الوطنية قيمة راسخة في نفس كل إنسان نشأ في بيئة نقية طاهرة يترجمها من خلال مجموعة من السلوكيات المنضبطة مع مصلحة وطنه التي لا يعلوا عليها أية مصلحة أو ولاء أو محبة لا لمنهج ولا لحزب ولا لفكر مستورد ولا لعشيرة أو أقارب فهي بذلك تحتاج إلى تضحيات جسام .
والقارئ لتاريخ الأمم يجد أن الكثير قد ضحى بحياته لأجل وطنه ودفاعا عن أرضه ، فالوطنية ليست مجرد كلمة تمر على الأسماع أو شعار للأشخاص الذين يجعلونها رمزا للوصول إلى مآرب شخصية أو مفتاح لأبواب السياسة للمتنفعين الذين يكثر ظهورهم في المناسبات الوطنية والاجتماعية ويتغنون بها بأفصح الكلمات والمعاني .
الوطنية شعور عظيم في النفس وتطبيق على ارض الواقع بسلوكيات مستمدة من صدق هذا الشعور وبعيدا عن التصنع والنفاق ، وكل منا قادر على ترجمته على ارض الواقع بأفعاله التي تصب في مصلحة وطنه بمصداقية عالية .
تبدأ الوطنية والانتماء من اصغر لبنة فيه وهو الأسرة فرب الأسرة يطبق مفهوم الوطنية بالالتزام بواجباته نحو أسرته من خلال تربية أبنائه التربية الصالحة التي تقدم للمجتمع أبناء صالحين متعلمين منتجين يقدمون لوطنهم وينتمون له وان يحرص رب الأسرة على الكسب الحلال الطيب ليعلم أبناؤه البذل والعطاء ونقاء المصدر ، وألام مدرسة إن أعددتها أعددت شعبيا طيب الاعراق والتقصير بهذه الواجبات يعد من باب نقص الوطنية .
إن الوطن هو بيتك الكبير كما هو بيتك الذي تعيش فيه مع أسرتك ، فما لا ترضاه لأسرتك لا ترضاه لوطنك فمتى قصرت بواجبات وظيفتك فتأكد من صحة وطنيتك ، وإذا حصلت على ما لا تستحق فتأكد من صدق وطنيتك ومتى خنت وطنك وتأمرت عليه للحصول على بعض المكاسب الدنيوية فتأكد انك بعيد عن الوطنية ، وان مارست الفساد وساهمت بوقوعه فراجع وطنيتك وان تخاذلت بالقيام بواجباتك تجاه وطنك فعليك أن تعلم أن وطنيتك ناقصه .
إن ابسط الأفعال والسلوكيات التي نمارسها يوميا قد يقاس عليها مقدار وطنيتنا وانتماؤنا له ، فالالتزام بالقوانين والأنظمة يحمل معنى الوطنية ، والحفاظ على المال العام هو تطبيق لمعنى الوطنية والابتعاد عن كل فعل أو عمل أو قول فيه ضرر للوطن هو باب من أبواب الوطنية الصادقة و التصدي للأخطار التي قد تهدد امن المجتمع وسلامته يعد انتماء ووطنية و محاربة الفساد والمحسوبية يعد خصلة من خصال الوطنية الصالحة و الالتزام بالحقوق والواجبات هو التزام بمعنى الوطنية والانتماء .
إن التغني بالوطنية يكون بالأفعال لا بالأقوال فالوطن ليس بحاجة لكثرة الأقوال والقصائد والعزل بقدر ما هو بحاجة للتضحيات والأعمال التي تسهم في تدفع عجلة التطور والتقدم ، فالأعمال دائما أعلى صوتا من الأقوال ، فليس التشدق بالوطنية وكثرة التواجد بالمناسبات الوطنية والاجتماعية مقياسا للوطنية إذا خلا من التطبيق السليم لمفهوم الوطنية على ارض الواقع ، فلنعمل جميعا على أن نكون من أهل الوطنية والانتماء بأفعالنا قبل أقوالنا فالوطن غالي ونفيس .
إن ضعف الوطنية والانتماء أو انعدامها مرض خطير فتاك يهدد المجتمع والوطن و علاجه الوحيد بالرجوع إلى المبادئ والمكونات والمخزون الثقافي والاجتماعي الذي استمده آباؤنا وأجدادنا من ارتباطهم الروحي والنفسي بوطنهم الذي عاشوا وماتوا فيه ودفنوا تحت ترابه .