نفتخر نحن العرب (المستعربة) والمسلمون (المسيلمون) ومنذُ عصور بالشخصيات التي من صفاتها القدرة على حمل السيف, والبراعة في قطع الرؤوس, والسرعة في هدر الدماء, وهي ترفع راية (الجهاد) ولو كان في غير مواضعه, حتى أصبحنا نعاني هوساً بهذه الشخصيات وكل الشخصيات التي تشبهها على شاكلة صّدام وبن لادن والزرقاوي وغيرهم كثيرون، ولا داعي هنا لذكر شخصيات تاريخية تتمتع بهذه الصفات كي لا أثير حفيظة الأغلبية ممن سيقرؤون رأيي هنا لأنهم أصلاً سيتهمونني بالخيانة وبأني بعيدة عن العروبة لمجرد ذكر صّدام وبن لادن والزرقاوي رغم أنهم رأوا بأعينهم أو على الأقل سمعوا عن مقدار الدم الذي هدره هؤلاء وأتباعهم ومع ذلك يقدسونهم ويبجلونهم وينعون ويقيمون الفواتح والمآتم إذا (فطس) أحدهم، فكيف بي إذا ذكرتُ شخصيات خلّدها تاريخنا العتيد ووصفها مؤرخونا كأبطال حتى لو كان ضحّية أولئك الأبطال رموزاً للحق، ولا ننسى أنّ هؤلاء الأبطال ارتبطوا بالإسلام بل التصقوا به وطّبقوا نهج الرسول (صلى الله عليه وسلم) واتبعوا عدل سيفه الذي ما قطع شجرة, ولا عقر ناقة, ولا قتل طفلاً أو امرأة فقتلوا الابرياء في كل مكان تطبيقاً ومصداقية في اتباعهم له ولدينه الحنيف.
أعتقد بأنّنا نعاني من كارثة ما عانت منها الإنسانية عامّة والإنسانية الإسلامية خاصّة كما تعاني منها اليوم فقد أصبح لدينا من الشخصيات البطولية التي تتمتع بتلك الصفات التي ذكرتها بدايةً ما لا يُعدُّ ولا يُحصى لكن الكارثة تكمن في أننا لا نملك أدب البطوليات لكي نستطيع أن نُميز بين البطوليين والإرهابيين ومنذُ بداية عصر (الجهاد) وحتى يومنا هذا فارتكبنا من الجرائم ما لا يُحصى باسم الإسلام وباسم تحرير الأوطان وباسم الإنسانية وباسم البطولة ... لكن أعظم جريمتين غبيتين ارتكبناها نحنُ العرب (المسيلمون) عبر التاريخ هي أولاً تعظيم اسلافنا لبطولات زائفة ولقتلٍ ما أهدر على مَّر العصور سوى الدماء الطاهرة, والأنفس الزكية والبريئة, وكان ذلك من أجل نيل منصب أو جاه أو مال. وثاني جريمة هي حين اتبّعنا نحنُ الأجيال اللاحقة ذلك الباطل (البطل!!) عزّة منّا بالإثم وكي لا نعترف بأنّ آباءنا وأجدادنا كانوا على خطأ وكانوا أبطال الباطل لا أبطال الحق ، كما أننا لا نمتلك الجرأة والتجرؤ على أن نذكرُ حقيقة واحدة عن أي شخصية (بطولية!!) ذكرها التاريخ في إزهاقها روح بريئة أو نفس زكية بالإضافة إلى أن هنالك من يمنعنا عن إظهار وكشف الباطل بحجّة ردع العدو فأوغلنا بتعظيم الإرهاب باسم البطولة.
التاريخ يعيد نفسه ونحنُ دائماً نخطئ في قراءته أو نعتمّد الخطأ، فتاريخنا الحاضر أرّخ ويؤرخ (بطولات) كبطولة صّدام التي باركها العرب على مدى ثلاثة عقود والتي تجلّت في تجويع شعب تمتلك أرضه ثالث احتياطي عالمي من النفط ونبعٌ من الخيرات لا ينضبُ وقتل ما يصل إلى ست ملايين عراقي وشرد ستّة ملايين أُخرى ما بين مهاجر ومهجّر، وكبطولة بن لادن أو الزرقاوي الذين أهدرا دماء الأبرياء في أفغانستان والعراق, وغيرهم من البلاد .
ولم نسأل أنفسنا يوماً لماذا يطيرُ العرب شموخاً وفخراً حين يذكر رصيده ممن حملوا السيف واليوم ممن حملوا أجهزة التحكم عن بعد في الوقت الذي يخجل فيه الغرب من ذكر نظير تلك الشخصيات لديه, بينما يفخر في ذكر شخصياته الأدبية والعلمية والإبداعية ويفتخر المسيلمون عامّة و(المستعربون) خاصّة بأمثال صّدام والزرقاوي رغم أنهم يعلمون أنّ أميركا (عدوتهم الأولى) من تصنع وتحرك تلك الدمى وأنها تسعى والدول الغربية للنيل ممّا صنعتهُ بيديها كيداً منها لهُم . حيثُ أنها تعلم وتدرك مدى غباء العرب والمسيلمون ومدى تبجيلهم لحضارة القّوة ولمن يبنون هذه الحضارة, وما آن للعرب أن يفهموا أنّ حضارة القوة والسيف قديماً والقنابل والقذائف حديثاً ما هي إلا حضارة الضعفاء الأغبياء الذين يُعانون من عقدة النقص, ولأننا شعوب بليدة عقلياً وفكرياً فإننا وببديهية نختار القوّة علّها تصغر تلك العقدة.
وما فهمت شعوبنا ولن تفهم بأننا ما تخلّصنا يوماً من الاحتلال والاستعمار التي تستقتل اليوم من أجل التخلّص منه فحكوماتنا العربية تحتل وتستعمر عقولنا وأفكارنا وحتى طريقة أكلنا ومشربنا وتهدهدنا في أسرّتنا يومياً على تهويدةٍ مقيتة تمغنطُ بها أفكارنا وعقولنا وحتى مبادئنا على فكرة ومبدأ الاستقرار, وأكل لقمة واحدة تكفي حتى وإنْ لم تشبع, وتحمُّل اللاديمقراطية أفضل من انعدام ذلك الاستقرار, وإنْ أعقبهُ استقرارٌ أفضل وأمن حقيقي, واحترام الإنسانية الإنسان في بلادنا العربية كما وأنّ حكوماتنا العربية تلك تربي فينا عِرْق الخجل والشرف والعروبة والوطنية وهي أبعد ما يكون عن تلك الشعارات. وتعيبُ علينا إنْ تخلّصنا منها عن طريق أميركا أو عن طريق أي دعم خارجي وفي المقابل نحنُ ضعفاء في الداخل ولا نستطيع الانقلاب على أنظمتنا داخلياً, ونفضل منع عقولنا عن فهم أو تصديق أي خدعة يخدعنا بها رؤساؤنا وملوكنا وأمراؤنا على أن نفقد ولو لساعة حالة الهدوء والاستقرار (الحذر) فنموتُ من القمع والجوع والجوع الفكري والإنساني.
بل أن شعورنا بالنقص وتمسكنا بالعزّة بالإثم تأبى علينا أن نؤيد حتى حرّية غيرنا كما يفعل معنا العرب اليوم نحن العراقيون حيث نعتونا .. نعتوا شعبنا بأكمله بالخائن لأنّهُ كسر قيده ومحى وسم عبوديته وجرّدوه حتى من شرفه لأنّهُ يُحاكم ذلك الطاغية (البطل!!) الذي كان يوماً ولقسوة القدر رئيسه ويمنعوننا حتى أن نسأل ذلك البطل !! لماذا هدر دماء تلك الملايين وبأي جُرم ولأيّ ذنب ؟! ويصفوننا بالبلهاء (لأننا لم نقدر بطولة الزرقاوي وأمثاله وبأنّهُ جاء لإنقاذنا بقتلنا وأراحتنا من الاحتلال إلى الأبد بسلبه أرواحنا) أعتقد بأننا بحاجة لإعادة قراءة تاريخنا من جديد لعلّنا إنْ عرفنا من هو بطل الحق ومن هو بطل الباطل في الماضي, واستطعنا التمييز بينهما لربّما استطعنا أن نعرف اليوم من هو بطل الحق ومن هو بطل الباطل, وما هي المعركة الحقيقية التي يجب أن تُخاض, وبين مَنْ ومَنْ يجب أن تقع, فمن خلال قراءة أخطاء الماضي ومعرفتها نستطيع أن نقرأ أخطاء الحاضر وبالتالي تلافي الوقوع فيها من جديد.
لكن نحتاج الآن عند قراءتنا أن نتخلّى عن عزتنا بالإثم, وعلينا أن نتجرّد من الأنا وإلا فلن تنفع قراءتنا ولو قرأنا التاريخ ألف مّرة