وَيَمْنَعُ ثَغْرَهُ من كُلِّ صَبّ
وَيَمنحَهُ البَشَامَةَ والأَراكا
يقول العكبري في شرح هذا البيت: البشام والأراك: ضربان من الشجر يستاك بفروعهما. والمعنى: يقول: لا يصل إلى ثغرها محبوبة الشاعر عاشق لصونها وعفتها،ولكن تمنحه، أي تعطيه، وتبذل له هذين الضربين من الشجر الذي يستاك به.
لقد اشار شاعرنا المتنبي في بيته هذا الى نوعين من النبات هما البشام والأراك، يقول الدمياطي (1965م): الأراك: شجر الحمض معروف له حمل كحمل عناقيد العنب يستاك به، أي بفروعه. وقال أبو حنيفة: هو افضل ما استيك بفروعه، واطيب ما رعته الماشية، رائحة لبن الواحدة أراكة. واسمه العلمي Salvadora Perisca ويطلق عليه بالانجليزية شجرة فرشة الاسنان. اما البشام: فهو شجر عطر الرائحة طيب الطعم، وفي حديث عتبة بن غزوان: ما لنا طعام إلا ورق البشام. وقال أبو حنيفة: يدق ورقه ويخلط بالحناء يسود الشعر. وقال مرة: البشام شجر ذو ساق وافنان وورق صغار اكبر من ورق الصعتر، ولا ثمر له. واذا قطعت ورقته او قصف غصنه هريق لبناً ابيض. وقال غيره: ويستاك بقصبه، واحدته بشامة. واسمه العلمي Amyris gileadenis، وهو أنواع. واسمه بالانجليزية شجرة بلسم مكة. وفي لسان العرب لابن منظور: الأراك: شجر معروف وهو شجر السواك، يستاك بفروعه. قال ابو زياد: منه تتخذ هذه المساويك من الفروع والعروق، وأجوده عند الناس العروق وهي تكون واسعة محلالاً، واحدته أراكة. والبشام: شجر طيب الريح والطعم يستاك به، وفي حديث عُبادة: خير مال المسلم شاة تأكل من ورق القتاد والبشام.
لقد وصف شاعرنا المتنبي في بيته السابق محبوبته بالعفة والصون، لانها لا تسمح لأحد من ان يصل الى شفتيها، ويقبلها مع فمها، ومع هذا فهي لنظافتها ومحبتها للرائحة الحسنة تنظف فمها واسنانها بفرعي نبات البشام والأراك. وهنا نتبين ان شاعرنا استخدم نباتين طيبي الرائحة والطعم في اضفاء صفة حسنة تتمتع بها محبوبته.
وقال الشاعر في قصيدة قالها لما تاب بدر بن عمار من الشرب مرة بعد مرة، فرآه يشرب:
في كُلّ يَوْمٍ بَيْنَنا دَمُ كَرْمَةٍ
لَكَ تَوْبَةٌ من تَوّبَةٍ من سَفْكِهِ
يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى: انه جعل الخمر دم الكرم استعارة، وجعل شربها سفكاً، أي كل يوم تتوب من توبتك من شرب الخمر، فالتوبة من التوبة ترك التوبة.
يقول الدمياطي (1965م): عنب جمعه أعناب: ثمر الكرم، ويقال: هذا عنب وعنباء بالمد، واحدته عنبة. واسمه العلمي Vitis Vinifera . وكرم: في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه انه صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسموا العنب الكرم، فإنما الكرم الرجل المسلم». قال الزمخشري: أراد أن يقرب ويسدد ما في قوله عز وجل: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم» بطريقة أنيقة ومسلك لطيف، وليس الغرض حقيقة النهي عن تسميته أي العنب كرما، ولكنه رمز الى ان هذا النوع من غير الاناسي المسمى بالاسم المشتق من الكرم انتم احقاء بألا تؤهلوه لهذه التسمية تميزة للمسلم التقي أن يشارك فيما سماه الله تعالى وخصه بأن جعله صفته. وفي لسان العرب: قال الجوهري: الحبة من العنب عنبة. والعنب الخمر، حكاها أبو حنيفة، وزعم انها لغة يمانية، كما ان الخمر العنب أيضاً. والكرم: شجرة العنب واحدتها كرمة.
لقد شبه ابو الطيب في بيته هذا لون مستخلص ثمر الكرم بالدم، وهنا نظر شاعرنا إلى التشابه الكبير بين اللونين، لون عصير العنب الخالص ولون الدم.
وقال ابو الطيب وقد حضر مجلس سيف الدولة وبين يديه ترنج وطلع:
شَدِيدُ البُعْدِ من شُرْب الشَّمول
تُرُنْج الهِنْدِ أو طَلْعُ النَّخِيلِ
يقول العكبري عن هذا البيت: اللغة الفصيحة أُتْرج، واترجَّه: واحدة. ومنه الحديث: «ومثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كالأُترجَّة: ريحها طيب وطعمها طيب».
والمعنى: يقول: ترنج الهند وطلع النخيل، شديد بعدهما عن محلك من شرب الخمر، وإن كان غيرك يتخذها لذلك، لان هذه الحال غير مظنونة بك، وإنما استحضارك لهما، وما يشاكلهما من الرياحين استمتاعاً بحسن ذلك، لا مخافة فيه الى ما يكره، واستجازة لما لا يحسن، وكل شيء طيب حسن يحضر مجلسك الكريم.
ويقول الدمياطي (1965م): أترُج وأترج، وأترنج: وهو كثير ببلاد العرب، ولا يكون برياً. واسمه العلمي citrus limonum. وفي لسان العرب: الطًَّلعْ، نَور النخلة ما دام في الكافور. وحكى ابن الاعرابي عن المفضل الضبي انه قال: ثلاثة تؤكل فلا تسمن: وذلك الجمار، والطلع، والكمأة، اراد بالطلع الغريض الذي ينشق عنه الكافور، وهو أول ما يرى من عذق النخلة. وأطلع الشجر: أورق، وأطلع الزرع: بدا، وفي التهذيب: طلع الزرع اذا بدأ يطلع وظهر نباته.
لقد اشار ابو الطيب في بيته السابق الى حقيقة معروفة، وهي ان بعض النباتات او ثمارها او ورودها وزهرها قد تستخدم لحسن رائحتها وعبقها وجمالها وحسن لونها، وقد تستخدم لأغراض أخرى، قد تكون ضارة للانسان، فسيف الدولة كان بين يديه ترنج وطلع النخل، ولكن سيف الدولة بعيد عن شرب الشمول الخمر ، وهذا يعني ان الخمر يمكن ان تصنع من هذين النبتين. وتعد النخلة سيدة أشجار العرب وقد صنف العلماء نبات نخيل البلح، فالنخلة تتبع عالم النبات Plantae، من شعبة او قبيلة قسم النباتات البذرية Spermatophyta من تحت شعبه مغطاة البذور Angiospermae من صف أو طائفة ذوات الفلقة الواحدة Monocotyle donea من الرتبة النخيلية Palamales من الفصيلة أو العائلة النخيلية Palmae من جنس النخيل Phoenix، نوع نخيل البلح Phoenix dacty lifera.
وقال المتنبي في بطيخة في يد أبي العشائر:
1 ما أنا والخمرُ وبطِّيخةٌ
سوداء في قِشْر من الخَيْزرانِ
2 يُشْغَلني عنها وعن غَيْرها
تَوْطِينيَ النَّفسَ لِيَوْم الطعِّانِ
يقول العكبري فيشرح البيت الأول: الخيزران: أصول الرماح، وقيل: هو عروق تكون في الارض، والعرب تجعل العرق خيزرانة. والمعنى: يقول: مالي ولهذه البطيخة، وإنما أشتغل بالطعن والضرب فيما بينه بعده بقوله. ويقول العكبري عن البيت الآخر: المعنى: يقول: يشغلني عنها، أي عن هذه البطيخة، ما أسوي وأهيئ ليوم الحرب، فعمَّ بقوله «عن غيرها»، وهو يريد التخصيص، وقوله «توطيني» أي أقرها وأثبتها للطعن يوم الطعن.
يقول الدمياطي (1965م): بطيخ وطبيخ: لغتان، وهو من اليقطين الذي لا يعلو، ولكن يذهب حبالاً على وجه الأرض. واحدته بهاء. وتطبخ الرجل: أكل الطبيخ كسكين، وهو البطيخ بلغة أهل الحجاز، واسمه العلمي Cucumis melo.
وخيزران: شجر هندي. وقال ابن سيدة: لا ينبت ببلاد العرب، وإنما ينبت ببلاد الروم، وهو عروق ممتدة في الأرض. وقال ابن سيدة أيضاً: نبات لين القضبان أملس العيدان، كالخيزور، والخيزران ا لقصب. وفي لسان العرب: الخيزران: عود معروف، وقيل: كل عود لدن متثن خيزران. وقيل: هو شجر، وهو عروق القناة، والجمع الخيازر. والخيزران: القصب. والخيزران: الرماح لتثنيها ولينها.
وقال الشاعر في مجلس ابن طفج، وقد أقبل الليل وهما في بستان:
فإن يَكُنْ طَلبُ البُسْتانِ يُمْسكنا
فَرُحْ فَكُلّ مكانٍ مِنْكَ بُسْتان
يقول العكبري عن هذا البيت: البستان، مفرد، وجمعه: بساتين، وهو الموضع الذي فيه الشجر والنخيل. وضده: القراح. والمعنى: يقول: إن يمسكنا طلب القعود في هذا المكان، فكل موضع تكون فيه هو بستان بك.
لقد شبه شاعرنا في بيته هذا ممدوحه ابن طفج بالبستان. والبستان وكما هو معروف يحتوي على صنوف الاشجار، والثمار والورود والزهور والروائح الطيبة العبقة، والهواء العليل، وهنا فقد استخدم الشاعر موضعاً معيناً لنبتات متنوعة ليمدح به ممدوحه ويشبهه به..