في انتظار.. «القرارات التاريخية»!
انتظروا الرابع من تشرين الأول (اكتوبر).. ثمة قرارات «فلسطينية» تاريخية في الطريق.. عبر خطاب يلقيه رئيس السلطة محمود عباس..
التكهن في شأنها صعب, رغم ما يمكن قراءته بين سطور التصريحات التي أدلى بها الرئيس الفلسطيني في الطائرة, التي اقلته من باريس الى عمان في طريقه الى رام الله, الصعوبة تكمن في محاولة عباس اللجوء الى لغة متمادية في الغموض من قبيل «أننا ما زلنا معنيين بنجاح مفاوضات جدية وحقيقية مع ضرورة وقف الاستيطان». الواقع الميداني التفاوضي (كما الاعلامي والدبلوماسي) يقول لكل ذي بصيرة أن ما جرى من مفاوضات مباشرة حتى الان, ليس سوى «عبث» حقيقي, يعلم الفلسطينيون قبل غيرهم أنها لا تزيد عن كونها مجرد لعبة متمادية لشراء الوقت وتقطيع الاستحقاقات في انتظار حدوث اختراقات أو مفاجآت, يدرك اصحاب القرار في اسرائيل أنها ستكون في صالحهم, سواء في ما خص المكانة والقدرة التي سيكون عليها باراك اوباما, بعد شهر ونيّف من الان (الانتخابات النصفية داخل الكونجرس), اضافة الى ما يمكن أن يستجد على صعيد الملف النووي الايراني, وخصوصاً في ما ستكون الحال عليه, في الجبهتين السورية واللبنانية, على ابواب صدور القرار الظني في اغتيال رفيق الحريري, حيث بدأ الحديث «الاسرائيلي» يعلو في شأن التكهنات والاحتمالات المفتوحة لحرب, بات السؤال في دوائر اقليمية ودولية يطرح على صيغة «متى»؟ وليس بطرح «هل»؟ لأن القرار (الاسرائيلي دائماً) قد اتُّخذ, بانتظار الذريعة أو المناخ السياسي والدبلوماسي المناسب.
يصف عباس القرارات التي سيتخذها في خطابه, أمام لجنة المتابعة العربية في الرابع من اكتوبر (قياساً على السادس وليس استهانة بتسمية تشرين الاول), بأنها «تاريخية» والوصف حمّال أوجه, فكل النتائج والاحداث يمكن وصفها بالتاريخية, لأن نتائجها تكون حاسمة وخطيرة وذات استحقاقات, والفارق بين النصر التاريخي والهزيمة التاريخية هو في الاتجاه الذي تذهب اليه الأمور, ويقاس (وقتئذ) إن كانت الايجابيات أعظم من السلبيات, ما يمنح لاصحاب الأولى فرصة الابتهاج فيما يلوذ من في الضفة المقابلة, بالصمت أو يجأرون بالشكوى ويلتزمون المكابرة والعناد, ورأينا – ما دمنا على ابواب السادس من أكتوبر- أن هناك من «عدّ» سيرورة حرب العام 1973 في باب الانتصارات, رغم الهزيمة الكارثية التي ألحقت بالموقف المصري منذ مباحثات الكيلو 101 بين الجنرالين عبد الغني الجمسي واهارون ياريف, والتي انتهت بما يعانيه العرب جميعاً اليوم, وبين من اعتبر ان اسرائيل حققت انجازاً عسكرياً مهماً, منذ ثغرة الدفرسوار التي احدثتها في الدفاعات المصرية, ما آلت الى محاسبة عنيفة وعميقة للنفس في الدولة العبرية, طالت رؤساء وشخصيات «تاريخية» في اسرائيل فقد معظمها مستقبله السياسي لأن لجنة «اغرانات» لم تجامل (اقرأ لم ترحم) احداً وكان الهدف هو انقاذ «مشروع» الدولة وليس اضفاء القداسة على الاشخاص, (مهما كان دورهم) فيما بدأت حملة «التصفيات» في الجانب «الاخر» تمهيداً لما كان مُخططاً ومُبرمجاً ان يُترجم على ارض الصلح المنفرد..
المشاهد متشابكة والاحداث تكاد أن تكون متطابقة في الحيثيات والايقاعات, على نحو يذكرنا بما دأب الرئيس السادات على تكرار وعده أمام طلبة الجامعات المصرية, عندما كانوا يخرجون الى الساحات والشوارع هاتفين «حنحارب حنحارب», داعين الى استعادة الاراضي المصرية المحتلة بأن السنة ستكون «سنة الحسم» فامتدت سنة الحسم الى سنتين (1971, 1972) الى ان انفجرت الحرب (المعروفة) في 6 أكتوبر 1973..
اذا ما, وعندما يتخذ الرئيس الفلسطيني قراراته «التاريخية» ويتبين أنها مجرد قرار بوقف المفاوضات, فإن من الحكمة عدم الحماسة لها بوصفها تاريخية, لأن القرار التاريخي اذا ما أريد له أن يحمل هذه الصفة, فإنه يجب أن يحدث فرقاً نوعياً في المشهد الفلسطيني, بعد أن وصلت الامور الى القاع ولم يعد مقبولاً استمرار المزيد من الحفر في هاوية سحيقة..
ليس وقف المفاوضات هدفاً, بل الهدف هو استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية عبر توحيد وتفعيل منظمة التحرير ومؤسساتها, والعودة الى الثوابت الفلسطينية التي بدونها يسقط المشروع الوطني الفلسطيني في تقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية. واصحاب نظرية «الحياة مفاوضات» يجب ان يتوقفوا عن عبثهم ومحاولات الزعم بأنهم يقودون معركة تحرر وطني, وعليهم ان لا يقنعونا بأنهم يعيدون اختراع العجلة.. فليس بهذا ستستعاد الحقوق الفلسطينية..
منتدى شباب الاردن