فضائل الشام
الحمد لله (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله)1 ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله ؛ عباد الله اتقوا الله (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)2
أما بعد فإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي نبيكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإن من هديه عليه الصلاة والسلام قوله : (فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها دمشق من خير مدائن الشام) وفي رواية: (يوم الملحمة الكبرى فسطاط المسلمين بأرض يقال لها الغوطة فيها مدينة يقال لها دمشق خير منازل المسلمين يومئذ )3.
لماذا الحديث اليوم عن الشام؟ لأن الشام في القلب والروح ؛ الشام قلعة الأمن والإيمان إذا تهاوت الأرض تحت وطأة الغزاة والطامعين ؛ الشام هي خلاصة الأمة في الماضي والحاضر والمستقبل ؛ تحت كل حجر من أحجارها رفات مجاهد وفي نسغ كل عرق أخضر دماء شهيد ؛ ذكر صاحب تاريخ دمشق عن الوليد بن مسلم قال: (دَخَلتِ الشامَ عَشَرةُ آلاف عينٍ رأت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) وفي كل الأوقات كانت الشام معقل الإسلام سياسيا وعسكريا ، والعاصمة الوحيدة للمسلمين في كل تاريخهم ، والتي كانت كل بلاد المسلمين تحت سلطانها هي: دمشق ، ولاشيء غير دمشق ، وذلك في العهد الأموي ؛ إذ كانت الأمة المسلمة تعيش في دولة واحدة ممتدة من سور الصين العظيم إلى أطراف بلاد الفرنجة في فرنسة ؛ قبل أن تتحول الأمة المسلمة إلى خمسين دولة جلها مُستَعمَرٌ تحت وصاية أو حماية أو محتلٌ احتلالا مباشرا ً؛ دمشق أقسم الله تعالى بها في كتابه لفضلها وذلك في سورة التين ؛ قال قتادة: التين الجبل الذي عليه دمشق وقال عكرمة وابن زيد: التين دمشق وهو اختيار الإمام الطبري.
وبلاد الشام التي تضم دمشق ما صح لبقعة من بقاع الأرض تفضيل لها في وقت الملاحم والفتن خصوصا ؛ مثلما ذكر بحقها وعن زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (يا طوبى للشام ؛ يا طوبى للشام ؛ قالوا: يا رسول الله وبما ذلك ؛ قال: تلك ملائكة الله باسطوا أجنحتها على الشام)4.
إن المقاتل في المعركة يحاول عدوه النيل منه .. تحطيم معنوياته .. زعزعة ثوابته .. والسلاح والأرض والروح المعنوية أهم عناصر الثبات! فإذا علم المقاتل كفاءة السلاح الذي في يده والقيمة العملياتية للأرض التي يقاتل عليها وكانت روحه المعنوية على المستوى المطلوب فإن النصر وكل عوامل التمكن والثبات متحققة ولابد.
أما السلاح فهو عتاد ومداد ؛ وإذا كثر عتاد العدد فإن المداد الأحمر القاني يبقى سلاحا لا يثلم بشرط واحد أن يعرف صاحبه متى يسكبه فداءً لأرض الإسلام.
وفي حديث عبد الله بن حوالة الأزدي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ستجندون أجناداً ؛ جنداً بالشام وجنداً باليمن وجنداً بالعراق ؛ فقال الحوالي: يا رسول الله اختر لي ؛ قال: عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه ؛ يجتبي إليها حزبه من عباده ؛ فمن أبى فليلحق بيمنه وليسقِ من غُدُره فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله)5.
إن الأرض هي مجال الحركة و المناورة والهجوم والتحيز إلى الفئة ؛ الأرض هي النصر للمجاهد والقبر للطامع والمعاند .. وبقدر ما يحبها المقاتل تحبه وبقدر ما يتشبث بها تحضنه أماً حنوناً تدرأ عنه ويدرأ عنها ، وعن عوف بن مالك قال: أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو في بناء له فسلمت عليه فقال: (عوف! قلت: نعم يا رسول الله ؛ قال: ادخل ؛ فقلت كلي أم بعضي ؛ قال: بل كلك ؛ قال: فقال لي: أُعُدد عوف ستا بين يدي الساعة أولهن موتي! قال:فاستبكيت حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسكتني ؛ قال: قل: إحدى ، والثانية: فتح بيت المقدس ؛ قل اثنين ، والثالثة: فتنة تكون في أمتي وعظَّمَها ، والرابعة: موتان : يقع في أمتي يأخذهم كقُعاص الغنم ( وهو داء يسرع بالموت) والخامسة : يفيض المال فيكم فيضاً حتى أن الرجل ليعطى المائة دينار فيظل يسخطها ؛ قل خمسا ً، والسادسة : هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر يسيرون إليكم على ثمانين راية ؛ تحت كل راية اثنا عشر ألفاً ؛ فسطاط المسلمين يومئذ في أرض يقال لها الغوطة ؛ فيها مدينة ويقال لها دمشق)6.
قوات التحالف الدولي التي غزت ودمرت ونهبت جزيرة العرب والخليج والعراق جاءت تحت اثنتين وثلاثين راية ، والكرة ستعاد على ديار المسلمين (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا)7، والخاسر منا من لم يعتبر (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذَّكرون)8.
ستعاد الكرة تحت ثمانين راية ؛ ثمانين دولة ... لعلها الدول التي خرجت تؤبن أفجر إرهابيي الأرض9، وتبكي في يوم توديعهم إياه راحلاً إلى جهنم ؛ ثمانون راية ستتكالب على المسلمين ؛ تحت كل راية اثنا عشر ألفاً فمجموعهم مليون مقاتل إلا قليلاً ، ويومها تبقى دمشق قلعة الإسلام وقاعدة النصر ومقبرة الغزاة ، وتبقى لغز الألغاز! ضعفها قوة وقوتها نصر ؛ خفاؤها تمكن وظهورها عز وسيادة ؛ ألا ترون ما في الحديث الشريف من دلالات! أما الروح المعنوية وهنا بيت القصيد فما لم يكن المرابط موقناً بما ندب له نفسه فلن يستطيع الثبات. إن الروح المعنوية لا يرفعها شيء مثل الإيمان! وعندما ترفع الرايات فكلها تنكمش وتتضاءل حتى لا ترى ؛ لتبقى راية واحدة هي راية الإيمان ؛ الروح المعنوية أهم من كل العوامل الأخرى (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين * إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين)10.
والأمر في الشام مختلف... والمعنويات لا تستدعى لصون أرض مجرد أرض ولا راية مجرد راية .. بل الشام هي قاعدة الإسلام في كل وقت وحين ، وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: