من قوانين التغيير
الحمد لله ( و لا تدع من دون الله ما لا ينفعك و لا يضرك ) 1.
و نشهد أن لا إله إلا الله ( فاستمسك بالذي أوحي إليك ) 2. ونشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله
( رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة ) 3 .
يا أيها الناس اتقوا ربكم ( ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يَمْهَدون ) 4 . أما بعد فإن أصدق الكلام كلام الله و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإن من كلامه تعالى قوله ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) 5 . وقد ذكرنا فيما سبق بعض قوانين التفكير ، والتي قلنا أنه ليس بديلاً عن العقيدة أو المبادئ أو الأخلاق أو العلم و إنما هو إعمال العقل في كل ذلك لحل المشاكل و معرفة العلاقة بين شتى الأمور واليوم نتحدث عن بعض قوانين التغيير فنقول :
1ً_ التغيير عملية تبدأ من داخل النفس لا من خارجها :
و الآية الكريمة ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) 6 ، بينت أن مفاتيح السيطرة على تغيير الواقع وُضعت بين أيدي البشر وجعلت مكان التأثير واضحاً وهو الأنفس ، وربطت بين تغيير الواقع و تغيير النظام الذي تحتويه الأنفس وهو الأفكار والتصورات , ووضحت أن هذا قانون شامل لكل جماعة بشرية ، و قررت الآية أن التغيير هو قانون اجتماعي ، فما لم تسرِ روح التغيير في المجتمع نحو الأفضل فإن تغيير فرد لنفسه قد لا يكون كافياً للتحول . و كذلك التحول نحو الأسوأ تنطبق عليه نفس المبادئ ، ( ذلك بأن الله لم يكُ مغيراً نعمةً أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) 7 .
و أشار النبي صلى الله عليه وسلم صراحة إلى مفاتيح كثيرة للتغيير الاجتماعي منها ماورد في حديث البخاري ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) 8 ، و منه نفهم لماذا يكون متوسط عمر الفرد في سويسرا مثلاً ثمانين عاماً و في رواندا أربعين عاماً ، أما نعمة الفراغ فحسبك أن بعض المجتمعات لا تركب فيها حافلة و لا طائرة إلا ورأيت رؤوس الناس غاطسة في كتب يزدادون بها علماً ، وحسبك أن مجتمعات أخرى تعد بعشرات الملايين يطبع من الكتاب الواحد فيها ألفا نُسخة فيبقى سنوات حتى ينفذ من الأسواق .. الصحة و الفراغ نعمتان تتواصى المجتمعات بصيانتهما أو الإجهاز عليهما .. فيتدفق الخير منهما ألواناً .. فماذا لو امتزج معهما الإيمان ؛ الإمام المنذري صاحب الترغيب والترهيب نقل عنه تلميذه المرادي أنه كان في المدرسة البادرائية [في محلة القيمرية شرقي الجامع الأموي بدمشق] وكان لا يخرج من المدرسة لا لعزاء و لا لهناء و لا لفُرجه و لا لغير ذلك ؛ إلا لصلاة الجمعة ؛ بل يستغرق كل الأوقات في العلم ، و ذكر السبكي أنه كان للمنذري ولد نجيب محدث ، و هو رشيد الدين أبو بكر محمد ، و كان أحد الأذكياء النبغاء و الحفاظ - توفاه الله - فصلى عليه أبوه داخل المدرسة وشيعه إلى بابها ثم دمعت عيناه ، وقال : أودعتك يا ولدي الله تعالى و فارقه .. لقد عاد إلى الدرس خشية ضياع الوقت 9 .
و الوقتُ أنفسُ ما عُنيتَ بحفظه و أراه أسهلَ ما عليكَ يضيعُ
كثير من الناس يظن أن أحواله الداخلية مقبولة وجيدة أو ليست الأسوأ ، و يقنعون أنفسهم أن هذا أفضل ما يمكن أن يصلوا إليه والحديث الشريف يقرر أنه (لن يشبع مؤمن من خير يسمعه حتى يكون منتهاه الجنة) 10 أي يسير المؤمن في عملية تطور دائم نحو الأفضل .. و لو أخذ كل منا ورقة و قلماً ليكتب عدد الأمور التي غيرها داخل نفسه ؛ لاكتشافه وجوب تغييرها [منذ عشر سنوات و حتى الآن] اختياراً لا اضطراراً لربما كانت النتائج غير متوقعة .
أمثلة : - كنت أستهلك خمسة ليترات لأجل كل وضوء ، صِرت أستهلك أقل من ليتر ، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد 11 [ مقدار ملئ كفين من الماء ] و قال عليه الصلاة والسلام : (يكفي أحدكم مُدٌ في الوضوء ) 12 .
- كنت أشتري أغراضي دائماً من أبواب المساجد التي أصلي فيها يوم الجمعة .. صرت أقصِد السوق كي لا أحول مسجدي إلى سوق للخضار ..
- كنت لا أقرأ أو أقرأ الصحف و المجلات .. صرت أقرأ ما لا يقل عن خمسين صفحة من كتاب مفيد ..
- كنت أستغرق ثلاثة أرباع ساعة عند كل وجبة طعام .. صرت أنهي طعامي خلال ربع ساعة .
- كنت أعتبر أن الرجولة ترك كل شئ على عاتق زوجتي .. صرت أطبق هدي النبي صلى الله عليه و سلم في بيته و أعين زوجتي فيما أقدر عليه ..
- كنت أغتاب الناس في كل مجلس ... لم آكل لحم أحد و لله الحمد منذ عامين .
- كنت لا أهتم بتربية أولادي على الاستقامة و الصلاح ... صرت أستدرك كثيراً من الأمور التربوية و أفهم تماماً مسؤولية الأمانة التي بين يدي ..
- كنت أسيراً للقنوات الفضائية و التلفاز .. صرت حراً و تحكمت في وقتي ..
- كنت لا أنصح و لا أقبل نصيحة من أحد .. صرت أنصح شخصاً على الأقل كل يوم و أطلب النصيحة ممن حولي و أقبلها ..
- كنت غشاشاً في البيع و الشراء .. صرت مستقيماً ..لا بد من وجود قناعة بضرورة التغيير ، والعلم ضروري حتى تحصل القناعة و لا علم في ترب تُنْحَرُ الأوقات فيها نحراً .. إنًّ الشعور بالرضا أو السخط لا ينبع من داخل الإنسان بل من خلال مقارنة الإنسان لأوضاعه مع الآخرين ؛ لذا فإن استنفار إمكانياته لدرء الخلل يزيد من قناعاته الفكرية العميقة بوجوب التغيير و قد