من الجنون والهستيريا للأطفال الذين شاهدوا تلك المشاهد المرعبة ، ومات بعضهم خوفا وهلعا وبعد ذلك يأتينا منصر أميركي وقح كالذي لقيناه من غير اتفاق قبل أيام فيقول لنا 18: الإسلام يدعو إلى القتل والدماء!! والنصرانية دين الرحمة والتسامح!! ولازم المسلمين (ببطل) [هذه عبارته] لازم المسلمين (ببطل هادا اللي اسمو جهاد] ويعلم الله أنه مامن دين سماوي يرضى بالمذابح والدماء ولكن مغالطتنا في ديننا واستغباءنا باسم التسامح أمر لا نرضاه بحال ، وحملات التنصير والتهويد والتعبيد للولايات المتحدة ومنطقها الهمجي في حرب الشعوب الإسلامية [بل حرب الفطرة في الأرض كلها] والالتفافات الماكرة القذرة على ديننا بشكل فكري أو ثقافي أو اقتصادي أو عسكري أو تجهيلي أمر لا ينطلي علينا ، وسنبقى نحاربه وننبه الناس إليه ونفضحه ما دامت أرواحنا فينا ، وإن كان لابد من الموت فيا مرحبا به ولا نعطي الدنية من ديننا.
ويا معسكرات التعذيب والاغتصاب في سراييفو .. ويا حملات الإبادة والتهجير في كشمير.. ويا جثث الأطفال الأتراك المتفحمة في ألمانية .. ويا أيها الرضع الذين لا يجدون الحليب في العراق .. ويا شعب كردستان المضطهد ويا أبطال حزب الله في جنوب لبنان .. ويا حرائر المسلمين في سجون اليهود .. ويا أطفال الحجارة الذين تتكسر عظامهم الغضة بحراب اليهود المجرمين .. ويا أيها المجاهدون المبعدون الصابرون من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تنخر فيكم الأمراض وتمنعون العلاج .. ويا جراح أبناء الصومال العزل في وجه قوى الكفر والإجرام .. ويا أيتها الأرض التي أتخمت بالدماء وامتلأت بالأشلاء وضجت بأصوات المعذبين والمقهورين ، وقتل فيها الشيوخ وذبح الأطفال وانتهكت أعراض النساء .. فلتشهدوا جميعا عدل العالم وإنصافه ورحمته ؛ بخرس الدول الكبرى ونفاق دول الغرب وصفاقة مجلس الأمن ووقاحة هيئة الأمم وصليبية أمينها العام.
ويا أيها الإسلام العظيم الذي صبغت أرضه بالنجيع الأحمر القاني ، وعانقت مآذنه حمرة الشفق الملتهب من دم الشهداء : أنت متهم بالهمجية والذبح والتقتيل ؛ أنت متهم بالإرهاب والأصولية ؛ أنت متهم بإثارة النعرات وتشريد الأمم وحرمان الكفرة من السلام ، وإقلاقهم وهم يخططون لاستعباد شعوب الأرض ، وإياك أن يظهر من أبنائك صلاح الدين جديد .. يدخل القدس فيعفو ويصفح ويدخلها الصليبيون فيذبحون في مسجدها سبعين ألفا! ورغم ذلك ينتصر صلاح الدين! وكم من المهازل تحوي هذه الحياة!
رغم كل الظروف المهلكة والرياح العاتية .. رغم كل ذلك نقول بثقة أن الإسلام قادم .. قادم ولن يستطيع أن يطوي أشرعته أحد .. ومناهج الأرض المنحرفة كل يوم تشهد إفلاسا مبينا ؛ فتسعى لتبطش وتسفك تغطي عوارها! (والله متم نوره ولو كره الكافرون)19.
ربما كان بأس المسلمين شديدا فيما بينهم في بعض الظروف والأوقات .. ولكن سلوا الأقليات التي عاشت بينهم: لقد كانوا أرحم أمة ، وإن مناهج الأرض لا يكاد يوجد فيها شيء اسمه رحمة ؛ لأن أغلبها مذاهب عمياء ليس لها إله تدعوه باسمه ( الرحمن ) وليس لها قائد هاد يكون لها رحمة مهداة ؛ فهي مفلسة ابتداء وانتهاء ، ولعلها تشبه المشركين الأُوَل الذين لما نزل قوله تعالى : (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعو فله الأسماء الحسنى)20. سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو: (يا الله ؛ يا رحمن ؛ فقالوا: كان محمد يأمرنا بدعاء إله واحد وهو يدعو بإلهين)21 ؛ عميان قلوب وعقول ؛ أصحاب مغالطات وتفلسف وإلقاء شبهات ؛ وتعالى الله الملك الحق المبين.
إن في آيات الله الحسنى وأسمائه آفاقا واسعة وفي خلق نبيكم أسوة ، والسعيد من اتبع واقتدى واقتفى ، والدنيا ساعة والصبح قريب ولكنكم قوم تستعجلون.
من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون.
- ألقيت هذه الخطبة بتاريخ الجمعة 4 صفر 1414هـ/ 23 تموز 1993م
الإحالات :
1- الترمذي ، الدعوات 3478، وقال : هذا حديث حسن صحيح.
2-البقرة 163.
3- آل عمران 1-2.
4- ابن ماجة ، الدعاء 3859. وهو حديث ضعيف!
5- الأنبياء 107.
6- التوبة 128.
7- الأحزاب 106.
8- البخاري ، الاستقراض وأداء الديون 2399.
9- الدارمي ، المقدمة 15. وهو صحيح من رواية أبي هريرة وأخرجه الحاكم في مستدركه وقال : صحيح وأقره الذهبي ، وانظر: كنز العمال ؛ الحديث 32093.
10- البخاري ، التوحيد 7377.
11- حديث تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان حديث صحيح ؛ قال فيه أبو عيسى : حديث حسن صحيح ، وانظر : الترمذي ، الجنائز 983. وقوله : (طوبى لك يا عثمان ؛ لم تلبسك الدنيا) ؛ التي أوردناها ؛ ففي كنز العمال 13، الحديث 37359 عن الديلمي ، وصح قوله صلى الله عليه وسلم : (والله إني لأرجو له الخير) وانظر لذلك : البخاري ، الجنائز 1243. ويشهد لعبارة : لم تلبسك الدنيا ؛ ما في حياة الصحابة :
3/ 293 عن الهيثمي 9/303 : رواه الطبراني عن عمر بن عبد العزيز بن مقلاص عن أبيه ولم أعرفهما وبقية رجاله ثقات. وأخرجه أبو نعيم في الحلية 1/105 وابن عبد البر في الاستيعاب 3/87 عن ابن عباس من طريق أخرى ، وأبو نعيم عن عبد ربه بن سعيد المدني مختصرا.
12- البخاري ، الأدب 6072.
13- أحمد ، باقي المكثرين 11530.
14- أحمد ، باقي المكثرين 8791 ، وسنده متصل ، وقال المنذري : رجاله رجال الصحيح.
15- الموطأ ، الحديث 1834. وفي مجمع الزوائد ، المجلد 3 كتاب الحج ، الحديث 5299 أن الطبراني أخرجه ورجاله رجال الصحيح. ويشهد له ما في صحيح مسلم ، الإمارة 1926 : (إذا سافرتم في الخِصب فأعطوا الإبل حقها من الأرض ، وإذا سافرتم في السَّنة فأسرعوا عليها السير ... ).
16- البخاري ، بدء الخلق 3318.
17- في نصب الراية ، كتاب الذبائح ؛ الحديث 11 أن الحاكم قال فيه : صحيح على شرط البخاري . وفي صحيح مسلم ، الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان ، الحديث 1955: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته ثم ليرح ذبيحته).
18- هو منصر مبتدئ كان يتجول في حي ركن الدين الواقع في سفح جبل قاسيون – دمشق وكان معه مدرب يعلمه ، ويعمل المدرب مدرسا في أحد المراكز الثقافية الغربية واسمه ( ..... ) وكانت وسيلتهم هي مهاجمة الإسلام بشكل وقح ، وصاروا يتكلمون عن الإسلام بأنه دين القتل والدماء ، ويجب على المسلمين ترك الجهاد ! وقلنا لهم : الأحسن لكم أن تنظروا ماذا تفعل أخلاقياتكم بأهل الأرض ، وحبذا لو تذكرتم هيروشيما وناغازاكي وفيتنام وفلسطين التي تدعمون غاصبيها ، ومحاكم تفتيشكم الرهيبة والتي كانت سُبة في جبين البشرية ولا تنسوا ماذا تفعلون بشعوب العالم ، بل حتى بشعوبكم المسكينة الغافلة!!
19- الصف 108.
20- الإسراء 110.
21- ورد ذلك في كتب التفسير عن ابن عباس رضي الله عنه ، وانظر تفسير القرطبي ، أو تفسير ابن كثير ؛ الآية 110 من سورة الإسراء.