تكفر وننصح لك ألا تكفر ليزيدا الناس إيهاما بصلاحهما. كالذي يذهب اليوم إلى أحد الدجالين ممن يضع ذراعا من قماش وله ذقن (ببلاش) يطلب منه أن يجلب له قلب امرأة متزوجة يحبها وهو من أكبر الذنوب فيقول له الدجال : اتق الله ولا تفعل ولا أنصحك بذلك ، ولكن إذا كنت مصرا فأنت وما تريد ويعطيه ما يدخله في غضب الله ولعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
ثم يقول القاسمي: ولليهود في ذلك خرافات كثيرة حتى أنهم يعتقدون أن السحر نزل عليهما من الله ، وهذا كفر مبين رده القرآن المبين وكذب دعواهم في نزول السحر من السماء وهو ما يصطاد به الدجالون وجهلة المتصدرين للتدريس ؛ قال تعالى : (يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين)5 وما هنا نافيه أي أنه لم ينزل عليهما من شيء ولفظ الملكين وارد هنا حسب عرف الناس بتسميتهم بذلك ، ومن باب إظهار قبح ما يفعلانه ومناقضته لما يظنه الناس فيهما قال تعالى (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه)6 أي بلغ من أمر ما يتعلمونه من ضروب الحيل وطرق الإفساد أن يتمكنوا به من التفريق بين أعظم مجتمع كالمرء وزوجه والمقام كله للذم وبعض الجهال يتمسكون بأن الملكين قد أنزل عليهما ، ولو كانوا يصاحبون كتاب الله لرأوا فيه ما يفضح باطلهم ؛ قال تعالى : (وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)7 فنص القرآن صراحة أن الله لم يرسل إلا الإنس لتعليم بني نوعهم .
لماذا كل هذا الشرح؟ لأن هناك كثيرين يعتقدون أمورا هي عين الباطل ، وهناك كثيرون يتأثرون بهذا الأمر وكثيرون يسمعون به فلا يعرفون حقا يزهق ذلك الباطل ، والبعض يبحثون فربما وجدوا بين أيديهم تفسيرا حوى أباطيل وخرافات فيظن أنه وقع بحق وما ثمة هناك منه شيء.
الاستدلال الثاني : قضية سحر النبي صلى الله عليه وسلم وهذه القصة ردها بعض العلماء جملة وتفصيلا لكونها تناقض قوله تعالى (والله يعصمك من الناس)8 فكيف يسحرك اليهود؟ والجمهور يقول بها ، ومن أخذ بها (أي قصة سحره r ) مُسلِّم بما ورد عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط "قل أعوذ برب الفلق" و "قل أعوذ برب الناس"..)9 وبحديث أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان يتعوذ من أعين الجان وأعين الإنس فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سواهما)10.
أما قضية تحضير الأرواح! فننقل بإيجاز ما ذكره العلامة الشيخ علي الطنطاوي في فتاويه قال: أما استحضارها فلا أعتقد صحته وإمكانه وليس لدي دليل أثبت به بطلانه ؛ أما ما يدعيه ناس بأنهم رأوا حركة أو سمعوا صوتا أو قرؤوا كتابة وأن الذي فعل ذلك هو الروح المستحضر فأجيب عنه بأن القاعدة عندنا أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال وهذا الذي أبصروه أو سمعوه يحتمل أن يكون وهما لا واقع له أو أن يكون من عمل جني أو شيطان أو يكون سببه حيلة خفية دبرها من زعم أنه يستحضر الأرواح كما يفعل سحرة السيرك ، انتهى.
وكنت سمعت من فضيلة سيدي الوالد رحمه الله أن هناك شخصا قوي الأعصاب ثابت الجنان دخل في حلقة من تلك الحلقات فتعسرت بعض الأمور على المحضر ، وطلب الشخص من المحضر أن يحضر له روح النبي صلى الله عليه وسلم فبهت ثم طلب منه أن يحضر روح خالد بن الوليد وعظماء آخرين فما استطاع إلى ذلك سبيلا.
وهناك مدرسة كاملة لتحضير الأرواح في العالم فيها أصابع يهودية تلهي الناس بعفاريت الجن والأشباح والأرواح عن بلاد تضيع وأمم تستعمر وحقوق تسلب وممن كتب في فضح ذلك الأديب الإسلامي الدكتور محمد محمد حسين في رسالة اسمها الروحية الحديثة.
ولسنا ننكر أن هناك آفاقا واسعة للروح فإن ذلك نقرؤه في كتاب الله (ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم الا قليلا)11 إلا أننا نرفض استدراج اليهود ومخاريق الدجالين واضاعة الأوقات والأعمار في السفاسف والترهات.
أما الحسد فقد أثبته القرآن في سورة الفلق وهو تمني زوال النعمة وورد في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم: لا حسد إلا في اثنتين (أي لا غبطة هنا وليس معناها تمني زوال النعمة بل سؤال مثلها) ؛ (لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار)12 قال الإمام القرطبي: الحاسد لا يضر إلا إذا ظهر حسده بفعل أو قول ، وذلك بأن يحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود. وخلاصة الموضوع كله في هذه الخطبة وما سبقها من الحديث عن عوالم الملائكة والجن ثم الحديث عن السحر والأرواح والحسد: أن ما خلق الله أعظم مما نحيط به وهناك عوالم أخرى منها مطيع ومنها عاص ، ولا نؤمن حولها إلا بما ورد بنص قاطع ، وأن ما فيها من إمكانات الشر فإنما يقع الإنسان فيها بتوليه لأهلها ، والشيطان ليس له سلطان إلا على الذين يتولونه ، وأن من تمسك بكتاب الله وسنة رسوله الصحيحة لم يضره شيء. وكما يقول الغزالي رحمه الله: التعوذ ليس مجرد القول بل القول عبارة عما كان للمتعوذ من ابتعاده بالفعل عما يتعوذ منه ؛ وفي قصة إبليس من العبرة : عدم الغرور والأدب مع الله كي لا يصل العبد إلى مساخط الله ، وفي الملائكة عبرة رؤية التقصير في جنب الله وفي عوالم الجن عبرة الحذر من الانحراف ، والبقاءُ على الصراط ، ومع كل عبرة آلاف العبر ، وأعظمها أن من دخل هذه الأبواب من غير حجة من كتاب أو سنة ضل وأضل ، ونحن نؤمن بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله الصحيحة ولا نقفُ ما ليس لنا به علم ومالا نُسأل عنه يوم الدين ، وفي ديننا ألف جانب ضائع وألف حمى مستباح وأوطان مستعمرة وجيل يُدفع إلى الفساد دفعا ويهودُ تمكر وتتربص