* * * * * * * *
بل .. انظر إلى النبي العابد .. القانت الزاهد .. زكريا عليه السلام ..
شيخ جاوز عمره السبعين .. ضعف جسده .. ورق عظمه .. واقتربت منيته .. فاشتهى أن يكون له ولد أو ولي .. فرفع يديه إلى الله داعياً .. مبتهلاً باكياً ..
قال الله : { ذكر رحمة ربك عبده زكريا * إذ نادى ربه نداءً خفيا * قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً * ولم أكن بدعائك رب شقياً * وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقراً فهب من لدنك ولياً * يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضياً } ..
فتقرع دعواته أبواب السماء .. فينظر الله إلى عبده الداعي .. فإذا هو عابد في محرابه .. يترقب إحسان ربه ويخاف من عذابه ..
فإذا بالبشائر تتنزل عليه وهو في الصلاة ..
قال الله : ( فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء ) ..
* * * * * * * *
وهكذا الرحمات .. إنما تستنزل بالصلوات ..
في معركة الأحزاب ..لما بلغت القلوب الحناجر ..وهرب كل منافق وفاجر ..
وقد حفر المسلمون بينهم وبين عدوهم خندقاً ..
وأظلم الليل ..واشتد البرد ..فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرف حال الكفار ..
فأقبل على أصحابه .. ثم قال لهم : من رجل منكم يذهب وينظر لي خبر القوم ويكون رفيقي في الجنة ؟
فما تحرك أحد .. فمر عليهم ثم قال : قم يا حذيفة .. قال حذيفة : فما كان لي من بد إذا أمرني رسول الله أن أقوم إلا أن أقوم .. فقمت .. قلت : لبيك يا رسول الله ؟
قال : اذهب وانظر لي خبر القوم ولا تحدثن شيئاً حتى تأتيني ..
قال حذيفة : فنزلت في الخندق ثم صعدت فإذا المشركون كثير .. وإذا من بينهم رجل يصلي يديه على نار بين يديه ثم يلصقهما بجانبيه ..
فنظرت فإذا هو قائد الجيش أبو سفيان .. فقلت في نفسي : إن أنا قتلته .. اضطرب أمرهم وانهزموا .. فأخذت سهماً من كنانتي أبيض الريش .. فوضعته في كبد القوس فلما شددته .. تذكر ت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تحدثن شيئاً حتى تأتيني .. فأرجعت السهم في كنانتي .. ونظرت في حالهم .. فإذا الريح قد اشتدت عليهم .. فما تقر لهم قدراً .. ولا تقيم لهم بعيراً ..
فدخلت في إحدى الخيام .. فجلست بينهم في الظلمة ..
فشعر أبو سفيان أن رجلاً قد دخل في القوم فصاح بهم وقال : ألا لينظر كل امرئ من جليسه ؟
قال حذيفة : فخفت أن يسألني الذي بجانبي فأفتضح .. فبادرته وصحت به : من أنت ..؟ ففزع وقال : أنا فلان من بني فلان .. فسكت عنه .. فلما رأى مني ذلك هاب أن يسألني .. فنجوت ..
وخرجت من بينهم وعدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فإذا هو قائم يصلي ويدعو ..فقعدت عنده ..حتى فرغ فبشرته بخبر القوم ..ففرح وكبر..
نعم ..هزم الله الأعداء ..ونصر الأولياء .. بصلاة ودعاء ..
وكانوا كما قال الله : { وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا } ..
فانظر كيف فزع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلوات .. فانكشفت الكربات ..
* * * * * * * *
خرج محمد بن واسع في جيش قتيبة بن مسلم .. فلما التقى الصفان .. التفت قتيبة فلم ير ابن واسع .. فأرسل بعض من عنده يطلبونه ..
فلما عادوا إليه : قالوا له : وجدناه ساجداً .. يحرك أصبعه ويدعو ..
فقال قتيبة : والله لأصبع محمد بن واسع في الجيش .. أحب إليَّ من ألف شاب طرير .. وسيف شهير .. فلما أتاه محمد واسع .. قال قتيبة : أين كنت ؟ فقال ابن واسع : كنت أهز لك أبواب السماء ..
فأين المرضى عن التعبد بالصلوات !!
وأين المكروبون عن الركعات والسجدات !!
بل .. أين المظلومون وأصحابُ الحاجات !!
فبها يشفى المرض وتكشف الكربة .. ويغفر الذنب وتقبل التوبة ..
اقرع بها أبواب السماء .. والتمس كشف الكرب ورفع البلاء ..
* * * * * * * *
بل الصلاة هي مفتاح الرزق .. قال الله :
{ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } ..
أقبل رجل إلى ثابت البناني يستعين به على حاجة يريدها من بعض الكبراء .. فمضى معه ثابت .. فجعل لا يمر بمجسد إلا نزل فصلى ركعتين ..حتى وصل إلى الرجل فكلمه في الحاجة ..فقضاها من فوره..
فالتفت ثابت إلى صاحبه فقال : لعله شق عليك وقوفي عند كل مسجد .. وصلاتي .. قال : نعم .. قال : ما صليت صلاة .. إلا طلبت إلى الله تعالى في حاجتك أن يقضيها .. وها هي قد قضيت ..
* * * * * * * *
نعم .. الصلاة هي بوابة الرحمات .. بل هي مفتاح الكنز .. الذي من حصله حاز الخيرات ..
فرحم الله عباداً نصبوا أقدامهم لطاعة مولاهم.. فرضي ربهم بأعمالهم وعجل لهم بشراهم..
لهم مع الصلاة أخبار .. في الليل والنهار .. فهم في الليل .. من الذين { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }..
وهم في النهار من { الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } ..
* * * * * * * *
نعم .. الصلاة .. بها يفتح الباب .. ويرفع الحجاب ..
إنها مفتاح السعادة ..
فإذا أجدبت الأرض .. وانقطع القطر .. وهلك المال .. وجاع العيال .. فإن الصلاة هي المفتاح .. فنصلي صلاة الاستسقاء ..
وإذا هم العبد بشيء من أمره .. أو احتار في فعل شيء وتركه .. فإن الصلاة هي المفتاح .. فيصلي صلاة الاستخارة ..
وإذا أذنب أو عصى .. شرعت له الصلاة ..
وإذا ضاق به الصدر .. وتعسر الأمر .. شرعت له الصلاة ..
وإذا كسفت الشمسُ أو القمرُ .. شرعت الصلاة ..
فهي رأس القربات .. وغرة الطاعات ..
هي راحة العبّاد الأبرار .. وقرة أعين المتقين الأطهار ..
* * * * * * * * *
والعبد كلما كان بالصلاة أشغل وأولع .. وإليها أنشط وأسرع ..
كانت رحمة الله أقرب إليه .. وفضل الله أوسع عليه ..
وانظر إلى تلك المرأة الصالحة .. مريم ابنت عمران ..
التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين : ( لم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون , ومريم بنت عمران ) ..
كانت مصلية عابدة في محرابها .. فكان جزاؤها أن جعلها الله وابنها آية للعالمين .. وأخرج منها نبياً وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ .. فلما بشرت بذلك أمرت بشكر الله على نعمه .. فزادت في التعبد والصلاة ..
قال الله : { وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ } ..
* * * * * * * * *